تُعد المعادن الأرضية النادرة من الركائز الأساسية التي تقوم عليها العديد من التقنيات المتطورة في العالم اليوم، من الطائرات المقاتلة إلى توربينات الرياح والأجهزة الإلكترونية المختلفة. وفي ظل الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت هذه المعادن بمثابة ورقة تفاوض قوية تستخدمها بكين لتعزيز موقفها في المفاوضات التجارية. إلا أن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في إنتاج هذه المعادن محليًا، مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الصين التي تهيمن على سلاسل التوريد العالمية.
تعكس القيود الجديدة التي فرضتها الصين على تصدير المعادن النادرة الثقيلة، والتي تشكل نسبة كبيرة من السوق العالمي، مدى الهيمنة الصينية على هذه الصناعة. وتسيطر الشركات الصينية على حوالي 85% من عمليات معالجة المعادن النادرة، و92% من إنتاج المغناطيس، مما يمنح بكين نفوذًا كبيرًا في المفاوضات الاقتصادية والتجارية مع واشنطن.
من نفس التصنيف: الزمالك يقرر إعارة أحمد رفاعي في الموسم المقبل
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
كشفت المحادثات التجارية المتوترة بين البلدين عن مدى اعتماد الولايات المتحدة على الصين في الحصول على المعادن النادرة، وهي مواد خام حيوية تُستخدم في صناعات التكنولوجيا المتقدمة. بدأت الحرب التجارية حينما فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسوماً جمركية شاملة على معظم دول العالم في أبريل، وارتفعت الرسوم على الصين إلى 145%، مما دفع بكين إلى التركيز على المعادن النادرة كنقطة ضعف أساسية في الولايات المتحدة.
رسوم ترامب الجمركية وتأثيرها
أدى فرض هذه الرسوم إلى تصعيد التوترات بين البلدين، حيث ردت الصين بإجراءات متشددة على صادرات المعادن النادرة، خصوصًا الثقيلة منها. وأثارت هذه الإجراءات غضب المصنعين الأمريكيين، مما دفع إلى عقد جولات متعددة من المفاوضات رفيعة المستوى انتهت بتأكيد وزارة التجارة الصينية موافقتها على تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة مقابل رفع واشنطن بعض الإجراءات التقييدية ضد الصين.
المعادن النادرة كأداة تفاوضية
تُعتبر المعادن النادرة الأداة الأقوى التي تستخدمها الصين في المفاوضات التجارية، وفقًا للخبيرة غريسلين باسكاران من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وأوضحت أن الصين تهيمن بشكل خاص على فصل المعادن النادرة الثقيلة، التي تفتقر إليها الولايات المتحدة كمصدر بديل. وعلى الرغم من اسمها، فإن هذه المعادن ليست نادرة في الطبيعة، بل تكمن الصعوبة في معالجتها واستخراجها.
تُستخدم المعادن النادرة في العديد من القطاعات الحيوية، مثل أنظمة الأسلحة المتقدمة، وتوربينات الرياح، وأجهزة التصوير الطبي، والهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. فقد تحتوي طائرة مقاتلة من طراز F-35 على أكثر من 900 رطل من هذه المعادن، بينما تستخدم توربينات الرياح أكثر من 1000 رطل منها.
كانت الولايات المتحدة في الماضي أكبر منتج للمعادن النادرة، لكن المخاوف البيئية والتحديات المالية أدت إلى تراجع صناعة التعدين المحلي، مما فتح الباب أمام الصين لزيادة استثماراتها وبسط سيطرتها على السوق العالمية. وقد استخدمت بكين المعادن النادرة كسلاح في نزاعات جيوسياسية سابقة، مثل حظر التصدير إلى اليابان عام 2010.
اليوم، يعير المشرعون الأمريكيون اهتمامًا متزايدًا لهذا الملف، حيث كان إنتاج المعادن النادرة من أولويات كل من إدارات ترامب وبايدن. فقد استخدمت إدارة بايدن قانون خفض التضخم لتشجيع الإنتاج المحلي، بينما أعلن ترامب حالة الطوارئ الوطنية في مجال الطاقة لتعزيز أمن سلسلة التوريد. كما قدم المشرعون من كلا الحزبين تشريعات تهدف إلى تنشيط وتنويع الصناعة المحلية بعيدًا عن الاعتماد على بكين.
مقال مقترح: زين الدين بلعيد هدف الزمالك وتهديد الوكرة القطري للصفقة
مع ذلك، ورغم هذه الجهود، يُتوقع أن تستمر الصين في استغلال قوتها في سوق المعادن النادرة خلال السنوات القادمة، إذ يستغرق بناء سلاسل توريد جديدة وقتًا طويلاً، ولن تتمكن الولايات المتحدة من الاعتماد بالكامل على الإنتاج المحلي في المستقبل القريب.