تُبرز المحادثات التجارية المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، التي استمرت لأشهر عدة، مدى اعتماد واشنطن على بكين في الحصول على المعادن النادرة، تلك الموارد الحيوية التي تشكل أساس العديد من التقنيات المتقدمة، بدءًا من الطائرات المقاتلة وانتهاءً بتوربينات الرياح. وتُظهر هذه الأزمة التجارية كيف يمكن أن تصبح المعادن النادرة أداة ضغط استراتيجية في الصراعات الاقتصادية بين القوتين العظميين.
في ظل تصاعد التوترات، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية عالية على الصين، ما دفع بكين للرد بإجراءات تشمل قيوداً على تصدير المعادن النادرة الثقيلة، التي تحتكر الصين معالجتها وإنتاجها. هذا الواقع كشف نقطة ضعف مهمة في سلسلة توريد المعادن الأمريكية، وأثار جدلاً واسعاً حول الحاجة الملحة لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر هذه المعادن الحيوية.
اقرأ كمان: سعر الدولار اليوم الخميس في البنوك المصرية 49.42 جنيه للشراء
حرب تجارية مريرة وتداعياتها على المعادن النادرة
بدأت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على معظم دول العالم في أبريل، وبلغت الرسوم على الصين نسبة 145% في ذروتها. ردت الصين بإجراءات مضادة، أبرزها فرض قيود جديدة على تصدير المعادن النادرة الثقيلة، مستغلة هيمنتها على سلاسل التوريد العالمية. حيث تسيطر الشركات الصينية على حوالي 85% من معالجة هذه المعادن و92% من إنتاج المغناطيسات.
أهمية المعادن النادرة في الصناعات المتقدمة
تعتبر المعادن النادرة من العناصر الأساسية في صناعة عدد كبير من التقنيات الحديثة، من أنظمة الأسلحة إلى البنية التحتية للطاقة الخضراء. فمثلًا، تُستخدم أكثر من 900 رطل من المعادن النادرة في بناء كل طائرة مقاتلة من طراز F-35، وأكثر من 1000 رطل في توربينات الرياح. كما تدخل في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، وعلاج السرطان، والهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والرقائق الإلكترونية.
سيطرة الصين على سلاسل التوريد وتهديدات الولايات المتحدة
تملك الصين سيطرة كبيرة على فصل المعادن النادرة الثقيلة، وهو ما يجعل القيود التي فرضتها مؤخراً مؤلمة بالنسبة للولايات المتحدة التي لا تملك مصادر بديلة. وعلى الرغم من أن هذه المعادن ليست نادرة في الطبيعة، إلا أن معالجتها تشكل تحدياً كبيراً. في الماضي، كانت الولايات المتحدة أكبر منتج للمعادن النادرة، لكن مع تزايد المخاوف البيئية وتراجع صناعة التعدين المحلية، فقدت هذه المكانة لصالح الصين التي استثمرت بكثافة في البحث والبنية التحتية للمعادن.
تاريخياً، استخدمت الصين المعادن الأرضية النادرة كسلاح في النزاعات الجيوسياسية، كما حدث في 2010 عندما أوقفت صادراتها إلى اليابان لفترة قصيرة. وعلى الرغم من أن اليابان سارعت لتقليل اعتمادها على الصين، فإن الولايات المتحدة لم تتخذ خطوات مماثلة في ذلك الوقت. لكن المشرعين الأمريكيين أصبحوا أكثر وعيًا الآن، حيث جعلت إدارات ترامب وبايدن المعادن النادرة أولوية وطنية، مع تشجيع الإنتاج المحلي من خلال تشريعات مثل قانون خفض التضخم.
شوف كمان: أسعار الدواجن والفراخ والبيض اليوم 14 يونيو 2025 واستقرار ملحوظ
كما أظهرت الإدارة الأمريكية الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بتأمين سلسلة التوريد، واستخدمت المعادن النادرة كأحد المبررات لإعلان حالة الطوارئ الوطنية في مجال الطاقة. وهناك تقارير تشير إلى أن الرئيس الأمريكي يفكر في استخدام سلطات من حقبة الحرب الباردة لتشغيل مشاريع المعادن الأرضية النادرة.
في هذا السياق، قدم المشرعون من كلا الحزبين تشريعات تهدف إلى تنشيط الصناعة المحلية وتنويع مصادر المعادن النادرة بعيدًا عن هيمنة بكين، مثل قانون أمن مغناطيسات المعادن النادرة وقانون أمن المعادن الأساسية.
ورغم الجهود المبذولة لبناء سلاسل توريد جديدة، يرى المحللون أن الصين ستظل تسيطر على السوق لفترة قادمة، حيث قد يستغرق تصميم سلاسل توريد بديلة سنوات طويلة، وستظل الولايات المتحدة تعتمد جزئيًا على الإنتاج الصيني. ومن ثم، ستظل المعادن النادرة ورقة تفاوض مهمة لبكين، إذ لا يمكن للولايات المتحدة ببساطة زيادة إنتاجها المحلي بشكل سريع لتغطية الفجوة.