عبدالناصر قطب يكتب عن ورق البردي وأسباب تقييد الولايات المتحدة من الدخول في حرب مباشرة مع إيران

• واشنطن تتمسك بالالتزام التاريخي بدعم أمن إسرائيل كحجر زاوية في إستراتيجيتها الإقليمية، لكن هناك قطاع كبير يتحفظ على الانزلاق إلى حرب شاملة تهدد استقرار الشرق الأوسط ومصالحها الحيوية،
• الموقف الداخلي: (البنتاجون) يميل إلى ضبط النفس ويفضل بقاء التدخل الأميركي في حدود الدعم الاستخباراتي واللوجستي، بينما يدفع مستشارو الأمن القومي وبعض شخصيات الحزب الجمهوري باتجاه دعم إسرائيل بشكل أكثر وضوحا،
• الموقف الخارجي تحكمه المخاوف من تعطيل استقرار سوق الطاقة العالمي وتقويض تحالفات واشنطن الخليجية والرفض الروسي والصيني لتوسيع الصراع،

تحيط بالتوجهات الأمريكية في إدارة المواجهة بين إسرائيل وإيران شبكة معقدة من الالتزامات الإستراتيجية والمصالح الاقتصادية الحيوية والضغوط السياسية الداخلية والدولية، وتقوم إستراتيجية واشنطن على “ثنائية الدعم والتحفظ”، عبر محاولة تحقيق توازن دقيق بين هذه الأهداف المتعارضة أحيانا، في وقت تشتد فيه المخاطر وتتسارع التطورات الميدانية،.

وبحسب خلاصة العديد من آراء وتحليلات الخبراء والمراقبين، فإن السياسة الأمريكية في إدارة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية تقف على حبل مشدود بين هذه الثنائية المحورية التي تقوم على الالتزام التاريخي بدعم أمن إسرائيل كحجر زاوية في إستراتيجيتها الإقليمية، والتحفّظ الحادّ على الانزلاق إلى حرب شاملة تهدد استقرار الشرق الأوسط ومصالحها الحيوية،.

هذه المعادلة المتوازنة -التي تجسدت في دعم “مشروط” لعمليات إسرائيل- تنبع من إدراك واشنطن أن تجاوز سقف التصعيد سيُفاقم مخاطر ثلاثية، وهي: تعطيل استقرار الطاقة العالمي، وتقويض تحالفاتها الخليجية، وإجبارها على تدخل عسكري غير مرغوب،

ويعكس هذا الموقف الإدراك الأمريكي العميق أن أي تصعيد مفتوح قد يهدد ليس فقط المصالح الأميركية في الخليج بل أيضا الاستقرار العالمي للطاقة، فالتصريحات الأمريكية المتكررة بأن الهجوم الإسرائيلي على إيران “يحظى بتفهم واشنطن” تعكس دعما ضمنيا، لكنه دعم مشروط بقدرة إسرائيل على إدارة التصعيد ضمن سقف محسوب،.

ويدرك البيت الأبيض أن تجاوز هذا السقف سيقود إلى تعقيد العلاقة مع حلفاء آخرين مثل دول الخليج، وقد يُدخل الولايات المتحدة في دوامة عسكرية لا ترغب بها، تحسبا لضبط المعادلات ومراعاة الاستحقاقات الأميركية الداخلية، بالإضافة إلى القلق بشأن الجنود الأمريكيين في قواعدهم بالمنطقة والخوف من عودتهم في توابيت جراء الانتقام الإيراني،.

تقف الولايات المتحدة اليوم أمام معضلة إستراتيجية تتمثل في مدى الدعم الذي يمكن أن تقدمه لإسرائيل دون أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران وشركائها،.

وبحسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن السيناريوهات المتداولة داخل المؤسسات الأميركية تشمل خيارات تقديم دعم استخباراتي ولوجستي موسّع، وصولا إلى ضربات محدودة ضد أهداف إيرانية في حال هددت الأخيرة المصالح الأميركية مباشرة، وبحسب الصحيفة، فإن هذا الخيار محفوف بالمخاطر السياسية والعسكرية،.

الخيار الآخر هو الحفاظ على الدعم السياسي والدبلوماسي مع استمرار الضغوط على إسرائيل لعدم توسيع العمليات أكثر، لكن التحدي الأكبر أن الوقت ليس في صالح واشنطن، وكل يوم يمر دون حسم الصراع يزيد من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة إقليمية يكون من الصعب احتواؤها،.

مصالح واشنطن وتل أبيب

رغم العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المواجهة الحالية كشفت تباينا واضحا في أولويات الطرفين، فإسرائيل ترى في هذه اللحظة فرصة تاريخية لتدمير المشروع النووي الإيراني بشكل تام، وفرض معادلات ردع جديدة في المنطقة،.

في المقابل، تخشى إدارة الرئيس ترامب -رغم دعمها العسكري والسياسي- من أن يؤدي التصعيد إلى حرب إقليمية واسعة تهدد المصالح الأميركية المباشرة، وتظهر تصريحات مصادر البيت الأبيض نقلتها شبكة “سي إن إن” حول “موافقة ضمنية” هذا التباين، فهي تقدم دعما سياسيا من دون تفويض كامل للمغامرات الإسرائيلية،.

هذا التفاوت يعيد طرح إشكالية السيطرة الأميركية على سلوك الحليف الإسرائيلي في أوقات الأزمات، خاصة مع وجود حكومة يمينية في تل أبيب تفضل الحلول العسكرية على المسارات السياسية، وهو ما يعقّد المشهد الإقليمي ويهدد المصالح الأميركية الأوسع،.

خلافات داخلية

تواجه إدارة ترامب خلافا داخليا حول المدى الذي يجب أن تذهب إليه واشنطن في دعم إسرائيل، فوزارة الدفاع (البنتاجون) تميل إلى ضبط النفس، وتُفضل بقاء التدخل الأميركي في حدود الدعم الاستخباراتي واللوجستي، في المقابل، يدفع مستشارو الأمن القومي وبعض شخصيات الحزب الجمهوري باتجاه دعم إسرائيل بشكل أكثر وضوحا،.

هذه التباينات ظهرت في تصريحات متعارضة لمسؤولين أميركيين خلال الأيام الماضية، حيث أبدى بعضهم تحفظا على فكرة “إطالة أمد الحرب”، بينما أشار آخرون إلى أن “إيران تستحق الردع القاسي”،.

ويفتح هذا الاختلاف الباب أمام ارتباك في السياسات – وهو ما يظهر في التصريحات المتناقضة للرئيس الأمريكي ترامب – ويزيد من صعوبة بناء إستراتيجية متماسكة، خاصة مع تزايد الضغوط من الكونجرس والجماعات المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية، التي تطالب بموقف أكثر حسما تجاه إيران،.

وتشكل الانقسامات الداخلية والاستحقاقات السياسية والتحديات الإستراتيجية محددا جوهريا لسياسة إدارة ترامب تجاه التصعيد، حيث توازن إدارة ترامب بين ضغوط متعارضة تتمثل في: دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل والجناح الجمهوري التقليدي الذي يطالب بموقف حازم، في مقابل تحفّظ قاعدة الحزب الجمهوري المتزايدة تجاه “المغامرات العسكرية” في المنطقة، وبينهما خوف التيارات التقدمية من التورط في حرب جديدة،

هذه التناقضات تدفع إلى تبني “موقف مزدوج هش”، يتمثل بالتصريح بالدعم المطلق لأمن إسرائيل مع العمل الدبلوماسي الحثيث لاحتواء التصعيد، سعيا لتجنب انتقادات الداخل وارتباك المشهد قبيل الانتخابات،.

وتعد معضلة الاعتبارات الداخلية لإدارة ترامب إحدى أهم الاعتبارات التي تحكم موقفها من التصعيد، وفي المقابل، فإن إسرائيل تتجاوز في الأزمة الحالية دور الحليف التقليدي لواشنطن لتلعب دورا ثلاثيا متشابكا، فهي: شريك إستراتيجي للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه هي مصدر ضغط دائم على قرارات واشنطن، خاصة في ملفات مثل إيران، لكنها برأي أمريكيين “مهندس نشط لمعادلات الأمن الإقليمي”،

وتتحرك تل أبيب في فضاء ضيق بين استغلال “الضمان الأميركي المطلق” واختبار حدوده، مستفيدة من هامش المناورة الذي توفره العلاقة الخاصة مع واشنطن ودعم الكونجرس،.

وتسعى إسرائيل من خلال التصعيد إلى تحقيق أهداف متعددة المستويات، بينها إعادة رسم قواعد الاشتباك مع إيران ومحور المقاومة، وترسيخ نفسها كقطب أمني لا غنى عنه للخليج،.

لكن هذه الإستراتيجية تنطوي على مخاطر جسيمة قد تُفجّر جبهات متعددة وتجر واشنطن إلى حرب لم تخطط لها،.

وفي هذا السياق، تدرك حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن واشنطن رغم تحفظاتها لا تستطيع فك ارتباطها الإستراتيجي بإسرائيل، لذلك تلعب تل أبيب على هذه الهوامش، فتسعى لجر الولايات المتحدة إلى مواقف أكثر تقدما عبر فرض وقائع ميدانية،.

وتظهر المواجهة الحالية كيف تحاول إسرائيل اختبار حدود الدعم الأميركي دون تجاوز الخطوط الحمراء، لكنها تدرك أن دعم الكونجرس -خاصة من الجمهوريين- سيشكل حماية سياسية لأي عملية عسكرية موسعة، وهنا يظهر التحدي أمام إدارة ترامب في الحفاظ على الشراكة دون الانزلاق نحو التورط الكامل في صراع مفتوح،.

رؤية تل أبيب

تنظر إسرائيل إلى هذه المواجهة كفرصة إستراتيجية لإعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، وتؤكد تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين أن “إسرائيل ستفرض معادلات جديدة على إيران وشركائها”،.

وتتفهم واشنطن هذه الرؤية، لكنها تخشى أن يؤدي استمرار التصعيد إلى كسر قواعد الردع المتبادل، مما يفتح الباب أمام حروب استنزاف طويلة تُنهك إسرائيل وتضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط في مواجهات مباشرة في الشرق الأوسط،.

من جهة أخرى، تحاول إسرائيل استثمار هذه المرحلة في تقوية علاقاتها مع دول في الإقليم، باعتبارها شريكا في مواجهة “التهديد الإيراني”، وهي خطوة قد تعيد ترتيب التحالفات الإقليمية بشكل جوهري، لكن هذه المرة عن طريق تصاعد التوتر الإقليمي،.

وتقوم إستراتيجية إسرائيل منذ سنوات على سياسة “المعركة بين الحروب”، لكنها في الضربة الأخيرة على إيران تجاوزت هذا المبدأ، لتدخل مرحلة “الحرب المفتوحة”، ويعرّف الجيش الإسرائيلي مصطلح “المعركة بين الحروب” بأنها هدف أساسي لمنع الوجود الإيراني في سوريا، ومنع وصول سلاح إلى حزب الله يخل بتوازن القوى،.

هذا التطور يدفع الأطراف الحليفة لطهران -كحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق إضافة إلى الحوثيين في اليمن- إلى إعادة النظر في قواعد الاشتباك،.

وحتى الآن، اقتصرت الردود على الحوثيين عبر بعض الضربات المعزولة، لكن مصادر أمنية غربية حذرت من أن استمرار العمليات سيدفع حزب الله إلى التدخل المباشر، وإن في مرحلة لاحقة،.

وبالنسبة لواشنطن، فإن دخول حزب الله على خط المواجهة يعني تحول الحرب إلى صراع إقليمي متعدد الجبهات، قد يشمل قواعد أميركية أيضا،.

وتدرك الإدارة الأميركية أن قدرتها على منع التوسع محدودة، مما يجعلها تعتمد بشكل متزايد على قنوات خلفية مع عواصم عربية وغربية لضبط إيقاع التصعيد؛ في ظل تآكل فعالية سياسة الردع التقليدية،.

ويؤثر الوضع السياسي داخل إسرائيل بدوره على مسار التصعيد، فحكومة نتنياهو، التي تواجه انتقادات داخلية واسعة بعد حرب غزة الأخيرة، ترى في التصعيد مع إيران فرصة لتحويل الأنظار وتوحيد الجبهة الداخلية حول ما وصفته “الخطر الوجودي، والتهديد الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي”،.

وتتابع الإدارة الأميركية هذه الحسابات بدقة، لأنها تدرك أن جزءا من دوافع التصعيد الإسرائيلي سياسي داخلي بقدر ما هو أمني، ويعقد هذا التداخل مهمة واشنطن في ضبط الحليف الإسرائيلي، خاصة في ظل دعم الحزب الجمهوري لنهج الحكومة الإسرائيلية الحالي، بما له من توظيف ذلك في الرأي العام الأميركي،.

استراتيجية طهران

في مقابل الموقف الأمريكي والإسرائيلي، تتبنى إيران إستراتيجية معقدة تقوم على “ردع هش” يجمع بين ضبط النفس لتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وتصعيد محسوب يحافظ على ماء الوجه أمام الداخل وحلفاء “محور المقاومة”،.

وتعمل طهران على حبل مشدود، فهي تظهر “الاستعداد الكامل لكل السيناريوهات” لترهيب خصومها، بينما تدرك أن أي خطأ في تقدير التصعيد قد يُفجر مواجهة كارثية،.

ويعتمد نجاح هذه المعادلة على 3 أركان: توظيف شركائها وأذرعها في المنطقة كعوامل وأدوات ضغط غير مباشر، والمناورة بالملف النووي كورقة تفاوضية، واستغلال التصدعات في الموقف الغربي، مع العلم أنها توازن فوق بركان قد ينفجر بأي لحظة،

ويمنح الموقف الإيراني المزدوج الولايات المتحدة فرصة إضافية للضغط على طهران من جهة، ومحاولة ضبط إيقاع التصعيد مع إسرائيل من جهة أخرى، غير أن الخطر الأكبر يكمن في إمكانية حدوث خطأ في الحسابات يؤدي إلى تجاوز الخطوط الحمراء ودخول واشنطن بشكل مباشر في المواجهة،.

ورغم محدودية أو استبعاد المشاركة المباشرة لحزب الله أو الفصائل العراقية حتى الآن، فإن الولايات المتحدة تأخذ هذا السيناريو بجدية قصوى،.

وتشير المعلومات الاستخباراتية الأميركية بحسب ما نقلته شبكة “سي إن إن” عن مصادر استخباراتية إلى استعدادات حذرة من جانب حزب الله لإعادة فتح جبهة الشمال، ولو بشكل محدود،.

وتدرك واشنطن أن توسيع رقعة الصراع لتشمل لبنان أو العراق سيضعها أمام اختبار صعب: إما تقديم دعم عسكري أكبر لإسرائيل أو الدخول في مواجهات متعددة الجبهات،

وتراهن الإدارة الأميركية حتى الآن على ضبط الساحات عبر التنسيق مع العواصم الإقليمية، لكنها تعلم أن السيطرة على جميع المتغيرات الإقليمية أمر بالغ التعقيد، خاصة في حال تصاعد الضغوط الإيرانية على وكلائها،.

خيار المسار الدبلوماسي.

يهدد التصعيد العسكري ما تبقى من فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني، منذ انسحاب واشنطن منه في 2018، ظل استحقاق العودة إلى الاتفاق معلقا بين الضغوط السياسية الداخلية في أميركا، والتشدد الإيراني المدعوم من الحرس الثوري،.

وأعادت الضربة الإسرائيلية الأخيرة ترتيب أولويات طهران، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تعليق كل المحادثات الفنية المتعلقة بالضمانات النووية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية،.

من جانبها، تدرك الإدارة الأميركية أن استمرار هذا المسار سيعيد الملف النووي إلى نقطة الصفر، ويزيد من مخاطر اندفاع طهران نحو تطوير برنامج تسلح نووي،.

ويضع هذا السيناريو واشنطن أمام معضلة استمرار دعم إسرائيل مما قد يجهض نهائيا أي حلول دبلوماسية مستقبلية مع إيران، ويفرض عليها إعادة حساب الأولويات في إدارة الأزمة الراهنة،.

عامل الطاقة

ومن أبرز الاعتبارات التي تهيمن على التفكير الأميركي في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي الإيراني هو تأثير المواجهة على إمدادات الطاقة العالمية، فمع التوترات المتزايدة في مضيق هرمز وباب المندب، تزداد المخاوف من ارتفاع أسعار النفط، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للاقتصاد الأميركي والغربي،.

وقد أعلنت وزارة الطاقة الأميركية، وفق تصريحات رسمية، استعدادها لاستخدام الاحتياطي الإستراتيجي للنفط “عند الحاجة”، في إشارة إلى جدية المخاوف، كما تدرك الولايات المتحدة أن أي تصعيد قد يؤدي إلى عمليات إيرانية ضد ناقلات النفط، مما يهدد ليس فقط الأسواق العالمية، بل أيضا الأمن البحري الدولي،.

ويجعل هذا العامل إدارة ترامب أكثر حرصا على ضبط وتيرة التصعيد وعدم السماح بانفلاته نحو حرب إقليمية شاملة، وهذه المعادلة تجعل من “سلاح الطاقة” إحدى أهم أدوات الضغط الإيرانية، وتُجبر واشنطن على السير على حافة شفرة،.

في المقابل، تمثل المواقف الإقليمية والأوروبية والدولية الرافضة للتصعيد عامل ضغط إضافي على واشنطن، مما يعرضها للحرج، خاصة في ظل محاولاتها الحفاظ على صورتها كقوة دولية مسؤولة تدفع نحو الاستقرار،.

سيناريوهات مستقبلية.

تقف الأزمة على مفترق 3 مسارات حاسمة تتراوح بين احتواء محدود وانفجار إقليمي، السيناريو الأول: ضربات متبادلة محسوبة وهو السيناريو الأمثل لواشنطن، والثاني: توسيع دائرة الحرب لضم حزب الله والجبهات المجاورة، وهو ما يمثل كابوسا لواشنطن، أما السيناريو الثالث فيتمثل في عمل إيراني نوعي (اغتيال مسؤول إسرائيلي رفيع أو استهداف قاعدة أميركية) يدفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر، وهو ما يعتبر السيناريو الكارثي،

تعكس هذه السيناريوهات جوهر الرهان الأميركي على محاولة إدارة التصعيد عبر قنوات خلفية لاحتواء الأزمة ضمن السيناريو الأول، رغم إدراك واشنطن أن زمام المبادرة ليس كليا بيدها، وأن أي خطأ في الحسابات أو تصعيد غير محسوب قد يُفجّر المسارين الأخطر،.

وتخفي تصريحات المسؤولين عن “عدم السماح بانفلات الصراع” تحديا عميقا في السيطرة على تداعيات لعبة إقليمية معقدة بقواعد متغيرة،.

خيارات سرية

بحسب قراءة صحيفة نيويورك تايمز، فإنه على الرغم من تسويق البيت الأبيض لإعلان الرئيس ترامب المفاجئ بأنه قد يستغرق ما يصل إلى أسبوعين لاتخاذ قرار بشأن الزج بالولايات المتحدة في قلب الصراع بين إيران وإسرائيل، على أنه منح فرصة للدبلوماسية للنجاح، إلا أنه يفتح أيضا مجموعة من الخيارات العسكرية والسرية الجديدة،.

وعلى افتراض أن ترامب يستغل الأسبوعين بالكامل، فسيكون لديه الوقت الكافي أيضا لتحديد ما إذا كانت ستة أيام من القصف المتواصل والقتل من جانب القوات الإسرائيلية قد غيرت آراء طهران،.

وترى نيويورك تايمز أن الاتفاق الذي رفضته طهران في وقت سابق هذا الشهر، والذي كان ليقطع الطريق الرئيسى أمام صنع إيران للقنبلة النووية بإنهاء التخصيب على أراضي إيران، قد يبدو مختلفاً الآن بعد أن تضرر أحد أكبر مراكزها النووية في نطنز، ويفكر ترامب علنا في إسقاط أكبر سلاح تقليدي في العالم على المنشأة الأخرى في فوردو، لكن قد يعزز الأمر أيضا عزم الإيرانيين على عدم الاستسلام،.

كذلك من المحتمل أيضا، كما أشار بعض الخبراء، أن إعلان ترامب بشأن مهلة الأسبوعين كانت محاولة لخداع الإيرانيين ودفعهم إلى تخفيف حذرهم،.

وتقول نيويورك تايمز إنه حتى لو لم يكن خداعاً، فإن ترامب، بمنح مهلة للإيرانيين، سيعزز أيضا خياراته العسكرية، فأسبوعان سيسمحان بوصول حاملة طائرات أمريكية ثانية للوصول إلى موقعها، مما يمنح القوات الأمريكية فرصة أفضل لمواجهة الرد من إيران الحتمي بما تبقى من مخزونها الصاروخي، كما سيمنح إسرائيل مزيداً من الوقت لتدمير الدفاعات الجوية حول موقع فوردو والأهداف النووية الأخرى، مما يخفف من المخاطر المتوقعة على القوات الأمريكية لو قرر ترامب في النهاية الهجوم،.

موقف روسي

في ظل هذه السيناريوهات، يترقب الجميع موقف القوى الأخرى في العالم، وخاصة روسيا، وفي هذا السياق، فقد حذر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف من أن أي ضربة أمريكية محتملة ضد منشآت في إيران ستؤدي إلى مزيد من التصعيد وستعقد الأوضاع في المنطقة أكثر من ذي قبل،.

وقال بيسكوف: لا نرغب في تصور هذا السيناريو، موسكو تعتبر هذه خطوة خاطئة، وهي خطوة قادرة بل حتما ستؤدي إلى تصعيد إضافي، تصعيد كبير، وسيتعقد الوضع في المنطقة أكثر،

وأكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلك صورة كاملة عن تطورات الهجمات الإسرائيلية على إيران، وأضاف: “الرئيس بوتين هو أحد القلائل من بين الرؤساء الذين أجروا اتصالات هاتفية بعد اندلاع هذه الحرب مع رئيس وزراء إسرائيل، ورئيس إيران، والرئيس الأمريكي، ورئيس تركيا، ورئيس الإمارات العربية المتحدة، إنه يمتلك الصورة كاملة”،

وأشار المتحدث باسم الكرملين إلى أن روسيا تستند إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول عدم رغبتهم في امتلاك أسلحة نووية،.

وفي رده على سؤال حول تقييم الكرملين لاحتمال تصعيد نووي في الشرق الأوسط، لفت بيسكوف إلى أن موسكو لا تعرف القدرات التي يمتلكها الجانب الإسرائيلي، وقال: “ننطلق من أن القيادة الإسرائيلية أكدت مرارا، بما في ذلك على أعلى المستويات، عدم رغبتها في امتلاك أسلحة نووية”، وأكد المتحدث الرئاسي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلك القدرة على تقديم خدمات وساطة لتسوية الصراع بين إسرائيل وإيران في حال طلبت الأطراف ذلك،

الشاهد أن المرجح حتى الآن هو تمسك الولايات المتحدة برفض المشاركة المباشرة في الهجوم على إيران، وإن كانت تمد إسرائيل علنا بالسلاح والعتاد، وخفية بالمعلومات الاستخباراتية والتوجيه بالأقمار الصناعية، وكذلك بدعم إسرائيل في التصدي للهجمات الإيرانية،.

ويكشف ذلك عن الموقف الأميركي المعقد الذي يوازن بين الرغبة في القضاء على المشروع النووي الإيراني، لكنه يحذر في ذات الوقت من خوض حرب مباشرة مع إيران ستعرض حياة قواته بالمنطقة للخطر، وتضرب قواعده العسكرية الموجودة فيها، وقد يقع مجددا في مستنقع شبيه بالمستنقع العراقي أو الأفغاني يستنزف موارد الولايات المتحدة، ويؤلِّب الرأي العام الأميركي عليه،.

في المقابل، فإن من عوامل دفع الولايات المتحدة للانخراط المباشر في الهجوم على إيران رغبة القيادة الإسرائيلية في ذلك، خصوصا نتنياهو الذي حرص على تصوير الهجوم الإسرائيلي على إيران بأنه نيابة عن كل القوى الغربية، داعيا ترامب إلى المشاركة في العمليات الهجومية،.

ورئيس وزراء الكيان في هذا التوجه يرغب في تحميل الولايات المتحدة عبء الحرب لتتخفف منه إسرائيل، كما أنه يعلم أن تل أبيب لا تمتلك القدرات العسكرية للقضاء التام على المشروع النووي الإيراني،.

وبالتأكيد تدرك واشنطن أنها إن شاركت إلى جانب إسرائيل في الهجوم على إيران، فستعرّض قواتها في الدول العربية المجاورة لإيران لرد طهران، وتتعرض هذه الدول العربية للهجمات الإيرانية، مع ما يحمله ذلك من تبعات،.

ولم تشرع الولايات المتحدة -حتى الآن- في اتخاذ إجراءات تشير إلى مشاركتها في الهجوم المباشر على إيران، فلم تحشد القوات اللازمة بالمنطقة، والقطع البحرية، والمضادات الجوية الكافية لحماية قواتها وقواعدها، ولم تُعِدْ توزيع قواتها في المنطقة، أو إعادتهم إلى بلدهم حتى يكونوا في مأمن،.

كذلك يحتاج هذا القرار إلى موافقة الكونجرس، وهو ما يهدد تماسك الإدارة الأميركية التي قد تتصدع إذا قرر ترامب خوض الحرب،.