«الدولار قلب السوق» جهود أفريقية لإقامة مدفوعات بالعملات المحلية تواجه هيمنة الدولار وضغوط ترامب

بدأت العديد من دول أفريقيا جهودًا جادة لإنشاء أنظمة مدفوعات تعتمد على العملات المحلية، وهو ما كان في الماضي مجرد حلم، لكنه أصبح الآن واقعًا يحمل في طياته وعودًا بتقليل تكاليف التجارة في قارة عانت طويلًا من هيمنة الدولار التي تستنزف مواردها، وقد انطلقت الحملة الأفريقية لتعزيز نظم المدفوعات الإقليمية من منصة قمة “مجموعة دول الـ20” للاقتصاديات الكبرى، حيث قادت دولة جنوب أفريقيا هذه الجهود بصفتها الرئيس الدوري للمجموعة.

لكن هذه الجهود لم تخلُ من المعارضة الشديدة والتهديدات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفقًا لتحليل شبكة “يو إس نيوز” الأمريكية، حيث ستواجه محاولات الخروج من هيمنة الدولار مقاومة قوية وتهديدات بالتصعيد من ترامب الذي يصر على بقاء هيمنة العملة الأمريكية على التجارة العالمية، ويعكس تحرك أفريقيا نحو إنشاء نظام مدفوعات مستقل دور الصين في دفع تطوير نظم مالية تتجاوز المؤسسات الغربية، كما أن دولًا أخرى مثل روسيا، التي تواجه عقوبات اقتصادية، تأمل أيضًا في إيجاد بدائل للدولار.

بينما تكتسب هذه الجهود زخمًا قويًا، حيث تُعتبر ضرورية في ظل التحولات الجيوسياسية التي شهدها العالم بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يعتمد المدافعون عن إيجاد بدائل الدفع في أفريقيا على حجج تتعلق بالتكاليف.

قال مايك أوجبالو، الرئيس التنفيذي لـ”نظام المدفوعات والتسويات عبر أفريقيا” (بابسس)، الذي يتيح للأطراف المختلفة إبرام صفقاتها مباشرة بالعملات المحلية، متجاوزًا الدولار، “على عكس ما يعتقد البعض، هدفنا ليس التخلص من الدولار”، وتابع “إذا نظرنا إلى الاقتصادات الأفريقية، سنجد أنها تعاني من صعوبة توفير عملات عالمية عبر طرف ثالث لتسوية المعاملات”، وأشار أوجبالو إلى أن استخدام عملات مثل “نيرة” النيجيرية، أو “سيدي” الغاني، أو “راند” جنوب أفريقيا في المدفوعات التجارية بين الدول الأفريقية يمكن أن يوفر للقارة نحو 5 مليارات دولار سنويًا من العملات الصعبة.

أضاف أوجبالو أن البنوك التجارية تعتمد بشكل نمطي على نظراء لها عبر الحدود، من خلال ما يُعرف بعلاقات المراسلة المصرفية، بهدف تسهيل تسويات المدفوعات الدولية، ويتضمن ذلك المدفوعات بين الدول الأفريقية المتجاورة، ومع وجود عوامل أخرى تتعلق بضعف البنية التحتية للنقل، تزداد الأعباء بشكل كبير عند إبرام الصفقات، مما يجعل التجارة في أفريقيا أكثر تكلفة بنسبة 50% من المتوسط العالمي، وفقًا لمنظمة “مؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة” (أونكتاد).

بينما تُنفذ 81% من التجارة الأفريقية وفق تقرير لمجموعة “إم سي بي” ومقرها موريشيوس مع أطراف خارجية، وليس بين الدول الأفريقية نفسها، يؤكد البروفيسور دانيل ماكدويل من “جامعة سيراكوس” المتخصصة في التمويل الدولي أن الشبكة المالية الحالية، التي تعتمد بشكل كبير على الدولار، أصبحت أقل فعالية وأكثر تكلفة بالنسبة لأفريقيا، وحسب أرقام “بابسس”، فإن تجارة قيمتها 200 مليون دولار بين بلدين أفريقيين مختلفين قد تتحمل تكاليف تتراوح بين 10 و30% من قيمة الصفقة، بينما يمكن أن يسهم التحول إلى إنشاء منظومات دفع محلية أفريقية في خفض تكاليف الصفقة إلى 1% فقط.

حاليًا، تعمل خدمات “بابسس”، التي أُطلقت في يناير 2022 بمشاركة 10 بنوك تجارية فقط، في 15 دولة من بينها زامبيا، ومالاوي، وكينيا، وتونس، ولديها حاليًا 150 بنكًا تجاريًا في شبكتها، وفي الوقت نفسه، بدأت “مؤسسة التمويل الدولية”، الذراع الإقراضية للقطاع الخاص التابع للبنك الدولي، في إصدار قروض للشركات الأفريقية بالعملات المحلية، حيث يعتبر نائب رئيس المؤسسة، إثيوبيس تافارا، أن هذا التحول أمر حتمي لنمو المؤسسة، لأنه يساعد في تخفيف المخاطر المتعلقة بالإقراض بالدولار، فإذا لم تتمكن الشركات من توليد عملة صعبة، فإن تقديم قرض بالعملة الصعبة سيكون عبئًا كبيرًا قد يمنع نجاحها.

في اجتماع مجموعة الـ20 في كيب تاون في فبراير، صرح محافظ البنك المركزي لجنوب أفريقيا، ليسيتجا كجانياجو، بأن “بعض أغلى الممرات للمدفوعات عبر الحدود توجد فعليًا في القارة الأفريقية، ومن المهم لنا أن نبدأ التجارة والتسوية عبر عملاتنا المحلية”، لكن الحديث عن الابتعاد عن الدولار، سواء للتجارة أو كاحتياطي العملات، أثار ردود فعل عدائية من الرئيس ترامب، ويشير أستاذ المالية الدولية ماكدويل إلى أنه بغض النظر عن نوايا أفريقيا في التحرك نحو إبرام الصفقات بالعملات المحلية، ستواجه القارة صعوبات كبيرة في الابتعاد عن التعامل بالدولار لأسباب سياسية، مثل تلك التي تقودها الصين وروسيا، حيث من المحتمل أن يكون الاعتقاد السائد مرتبطًا بعوامل الجغرافيا السياسية.