مرة أخرى، تتصدر عناوين الأخبار جملة مألوفة ومتكررة: “القبض على صاحب صفحات شاومينج بيغشش ثانوية عامة”. وكأننا نعيش في حلقة مفرغة من الفشل، حيث يبدو أن العلاج الحقيقي للمشكلة غائب، فنحن نكسر الترمومتر بدلاً من تشخيص المرض ومعالجة أسبابه.
“شاومينج”.. عرض لمرض أعمق!
إن صفحات تسريب وغش الامتحانات ليست سوى عرض لمشكلة أعمق يعاني منها النظام التعليمي في مصر. بدلاً من أن تكرس الدولة جهودها لتطوير منظومة الامتحانات من الجذور، نجدها تكتفي بالقبض على المراهقين الذين يديرون جروبات الغش، وكأنهم وحدهم يتحملون مسؤولية هذه الفضيحة السنوية! كيف يمكن أن يتم تسريب الامتحانات من داخل اللجان، أو حتى قبل بدء الامتحانات أحيانًا، ولا نجد محاسبة حقيقية للمسؤولين عن الأمن والطباعة والتوزيع؟ من أين جاءت الامتحانات؟ ومن سربها؟ أسئلة تبقى بلا إجابة.
شوف كمان: استقرار سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 13-6-2025 أمام الجنيه المصري في البنوك المصرية
سماعات الغش.. التكنولوجيا تنتصر على الرقابة
لم يعد الغش مجرد ورقة صغيرة مخبأة في كُم الطالب، بل أصبح يعتمد على أجهزة متطورة وسماعات خفية لا تستطيع أعين المراقبين أو كاميرات اللجان اكتشافها! تُثبت السماعات اللاسلكية داخل الأذن، وتستخدم تقنيات متقدمة تجعل من الصعب حتى كشفها بالأجهزة التقليدية. وما يزيد من خطورة الوضع هو أن هذه الأجهزة تُباع علنًا في الأسواق وعلى الإنترنت، في ظل صمت مريب من الجهات الرقابية. فهل المشكلة تكمن في الطالب أم في من سمح بتداول أدوات الغش بحرية؟
️ وزارة التعليم.. ردود باهتة وحلول مؤقتة
تصر وزارة التربية والتعليم كل عام على إصدار نفس التصريحات: “امتحانات مؤمّنة تمامًا”، “منظومة جديدة للقضاء على الغش”، “خط ساخن للتبليغ عن المخالفات”… ومع ذلك، تتكرر التسريبات في نفس التوقيت وبنفس الوسائل. أين الخطط الاستباقية؟ أين الجهود الحقيقية للتطوير؟ أين العقاب الصارم لمن يثبت تورطه من داخل الوزارة أو اللجان؟ هل سنستمر في مطاردة “شاومينج” على فيسبوك بينما نتجاهل “شاومينج الحقيقي” في المطبعة أو اللجنة أو مركز التوزيع؟
دعونا نكون صرحاء…
الغش هو ظاهرة اجتماعية نابعة من نظام تعليمي عقيم يعتمد على الحفظ والتلقين، حيث يتم تقييم الطالب من خلال ورقة واحدة تحدد مصيره. إذا لم نراجع منظومتنا التعليمية ونعتمد على آليات تقييم حديثة، ونمنح المعلم والمراقب هيبةً حقيقيةً، ونستخدم التكنولوجيا بشكل عادل وشفاف، سنظل ننتظر منشور شاومينج القادم، كما ينتظر الطالب ورقة الأسئلة.
مواضيع مشابهة: إشراك القطاع الخاص في تطوير منظومة النقل النهري يعزز النمو بعد سنوات من الإهمال وفقاً لـ «السمدوني»
️ رسالة إلى المسؤولين:
نحن لا نبرئ من يغش أو يروج للغش، لكننا نستغرب أن يُحمَّل طفل في السابعة عشرة من عمره وزر منظومة بأكملها! الغش جريمة، نعم، لكن الجريمة الأكبر هي أن نبني مستقبل أولادنا على الخوف والخداع، بدلاً من القيم والعلم والمسؤولية. آن الأوان أن نحاسب منظومة التعليم، وليس فقط صفحات الفيسبوك!