طهران بلا أجنحة.. غياب سلاح الجو الإيراني عن ضرب إسرائيل وأسبابه

تتواصل العمليات العسكرية بشكل متسارع بين طهران وتل أبيب منذ يوم الجمعة الماضي، وذلك بعد سلسلة من الضربات الجوية غير المسبوقة التي نفذتها إسرائيل على أهداف داخل الأراضي الإيرانية، حيث استهدفت منشآت نووية ومصانع لصواريخ باليستية، بالإضافة إلى قادة عسكريين وعلماء نوويين.

ودخلت هذه الضربات المتبادلة يومها الرابع وسط تصعيد غير مسبوق من قبل طهران، التي ترفض التفاوض لوقف إطلاق النار في ظل استمرار تل أبيب في هجماتها واستهداف منشآت حيوية، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من القادة العسكريين.

وفي خضم هذه الحرب والهجمات الإيرانية داخل الأراضي العربية المحتلة، برز الاعتماد الكبير لطهران على قوتها الصاروخية الباليستية، إلى جانب استخدام مجموعة من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، بينما غاب سلاح الجو تمامًا عن المعركة.

تمتلك القوة الجوالفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني أكثر من 100 قاذفة صواريخ باليستية متوسطة المدى، قادرة على إطلاق مقذوفات يصل مداها إلى أكثر من 1000 كيلومتر، وهو ما يكفي لضرب أهداف في إسرائيل، وفقًا لتقرير “التوازن العسكري 2025” الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) وبحسب “سي إن إن” عربية.

سلاح الجو الإيراني

حول أسباب فقدان إيران لقوة سلاح الجو خلال صراعها مع إسرائيل، التي تتفوق فيها الأخيرة بفضل قوة سلاحها الجوي، يشير الكاتب الصحفي والخبير في الشؤون الدولية عزت إبراهيم إلى تساؤلات حادة طرحت بعد الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، حول كفاءة سلاح الجو الإيراني في التصدي لمثل هذه الهجمات أو الرد عليها بفعالية.

يضيف إبراهيم، أنه رغم أن إيران تمتلك أسطولًا جويًا يتجاوز 300 طائرة مقاتلة، إلا أن معظم هذا الأسطول يعود لعقود مضت ويعاني من تقادم خطير في التجهيزات والتكنولوجيا، مما يحد من قدرته على مواجهة طائرات حديثة مثل الـ (F-35) أو حتى الـ (F-15) بنسخها المطورة.

يتابع الخبير في الشؤون الدولية، حسب مجلة “Military Watch Magazine”، أن القوة الجوية الإيرانية تتكون من خمسة عشر سربًا مقاتلاً، تعتمد في معظمها على طائرات أميركية من حقبة السبعينيات مثل الفانتوم (F-4D/E) والنمر (F-5E/F)، إلى جانب عدد محدود من المقاتلات الروسية (ميج -29) و(السوخوي -24) ومقاتلات صينية (J-7).

كما يعتمد الحرس الثوري على سرب خاص من طائرات (سو-22) المطورة، والتي تُستخدم في مهام الإسناد الجوي القريب، مشيرًا إلى أنه رغم الجهود التي بذلتها إيران في التسعينيات لتحديث هذا الأسطول عبر صفقات مع روسيا، إلا أن الضغوط الأميركية حالت دون تنفيذ تلك الصفقات بشكل واسع، مما أبقى الأسطول الإيراني رهينًا لمقاتلات قديمة.

ما هي المشكلة الأكبر؟

بحسب إبراهيم، فإن المشكلة الأكبر تكمن في القدرات الإلكترونية والتسليحية لهذه المقاتلات، حيث أن معظم الطائرات الإيرانية لا تزال تعمل برادارات ميكانيكية من الحقبة الفيتنامية، مما يجعلها عرضة للتشويش الإلكتروني بسهولة، خاصة أن أنظمة (الميج -29) و(الإف -14) معروفة تمامًا لأعداء إيران بعد تفكيك حلف وارسو وسيطرة واشنطن على تقنياتها، مضيفًا أن طائرات (الميج -29) الإيرانية تعتمد على صواريخ (R-27) التي لم تعد فعالة في البيئات القتالية الحديثة، فيما تُعد صواريخ (AIM-54) الخاصة بـ (الإف -14) غير موثوقة وقديمة.

يؤكد الخبير في الشؤون الدولية أنه رغم هذه التحديات، فإن الحجم العددي للأسطول الإيراني لا يزال يشكل عبئًا تكتيكيًا على أي خصم، مشيرًا إلى أن مجرد وجود هذا العدد الكبير من الطائرات يتطلب من إسرائيل أو الولايات المتحدة ضرب عدة قواعد جوية في وقت واحد، وتخصيص عدد كبير من طائراتها لمهام الدفاع الجوي، مع اعتماد كثيف على خزانات الوقود الإضافية.

يتابع إبراهيم، قائلاً إن العقيدة العسكرية الإيرانية باتت تعتمد بصورة شبه كاملة على الدفاعات الجوية الأرضية، والصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، بينما تراجع دور المقاتلات التقليدية إلى حد كبير.

يشير إلى أن الطائرات الإيرانية لا تزال تُستخدم بكفاءة في مهام الهجوم البحري، خاصة بفضل تزويد طائرات (F-4D/E) بصواريخ كروز صينية تم إنتاجها محليًا، مما زاد من فعاليتها في هذا المجال.

يقول: قد أُثيرت تكهنات كثيرة خلال السنوات الماضية بشأن نية إيران شراء مقاتلات حديثة لتجديد أسطولها، وهو ما سيغير ميزان القوى الإقليمي في حال تحققه، كما سيقلص تكاليف التشغيل التي تتفاقم نتيجة تقادم الهياكل الجوية الموجودة حاليًا.

صفقات تسليحية جديدة

يشير الخبير في الشؤون الدولية إلى أنه بعد رفع حظر السلاح المفروض على إيران من قبل الأمم المتحدة في عام 2020، أصبحت طهران أكثر قدرة على عقد صفقات تسليحية جديدة، خاصة مع ازدياد اعتماد روسيا على الطائرات المسيرة الإيرانية منذ بداية حربها في أوكرانيا.

يتابع أن إيران قد استفادت من هذا الوضع لطلب شراء طائرات (سو -35) الروسية، حيث أشارت تقارير مؤكدة إلى توقيع عقود رسمية في يناير 2025، بينما تُشير تسريبات أخرى إلى نية طهران شراء (64) طائرة من هذا الطراز.

يوضح الكاتب الصحفي أنه رغم أن مقاتلات (سو -35) ليست الأحدث عالمياً، إلا أنها تمثل قفزة نوعية مقارنة بما تمتلكه إيران حاليًا، خصوصًا في مجال الاشتباكات الجوية بعيدة المدى، والتعامل مع المقاتلات الشبحية، كما أن حجم الأسطول الإيراني الكبير يسمح له باستيعاب أنواع أخرى من الطائرات لاحقًا، مما قد يُحدث تحولاً كبيرًا في الهيكل الدفاعي الإيراني على المدى المتوسط.

يؤكد إبراهيم أن تأخر إيران في اقتناء مقاتلات جديدة بشكل فوري أسهم في بقاء فجوة واضحة بينها وبين خصومها، خاصة في ظل التوتر المتصاعد مع إسرائيل والغرب، وهذا التأخر جعل من التخطيط لشن هجمات على الداخل الإيراني عملية أكثر سهولة من الناحية العسكرية، إذ لم تكن هناك منظومات ردع جوية فعالة تواجه الطائرات المهاجمة.

تطور النزاع مع إسرائيل

بحسب إبراهيم، تُظهر هذه المعطيات أن إيران ما زالت تسير في اتجاه عسكرة الردع بعيدًا عن التفوق الجوي، معتمدة على التكنولوجيا المحلية وتعدد جبهات التهديد، لكن هذه المقاربة تبقى عرضة للاختبار الحقيقي في حال تطور النزاع مع إسرائيل إلى مواجهة طويلة الأمد تتطلب توازنًا جويًا وليس فقط نيرانًا أرضية.

يختتم الكاتب الصحفي تصريحاته مؤكدًا أنه في ظل استمرار هذا الواقع، يبقى تطوير سلاح الجو الإيراني رهناً بالظروف السياسية والاقتصادية، ومدى قدرة النظام على تجاوز القيود الغربية، وإبرام صفقات تسليحية حيوية تُعيد إلى السماء الإيرانية بعضًا من فعاليتها المفقودة، أما في الوقت الراهن، فإن السماء الإيرانية تظل مكشوفة نسبيًا في وجه خصم يمتلك أحدث ما أنتجته الصناعة العسكرية الأميركية من طائرات وتكنولوجيا متفوقة.