موانئ دبي وأبوظبي تتنافس لإنشاء مدن صناعية في مصر

مع تسارع التوسع الصناعي في مصر، نشهد منافسة غير مباشرة بين اثنتين من أكبر المجموعات الاستثمارية في الخليج: موانئ دبي العالمية ومجموعة موانئ أبو ظبي. حيث تسعى كل منهما لإنشاء مدينة صناعية متكاملة في موقع استراتيجي مختلف، مما يعكس سباقًا إماراتيًا نحو التمركز في الاقتصاد المصري الصناعي.

موانئ دبي وأبوظبي تتنافس لإنشاء مدن صناعية في مصر
موانئ دبي وأبوظبي تتنافس لإنشاء مدن صناعية في مصر

موانئ دبي تتجه إلى العاصمة الإدارية

تستعد “موانئ دبي العالمية” لتوقيع العقود النهائية مع الحكومة المصرية بعد عطلة عيد الأضحى، لإنشاء منطقة صناعية حرة تمتد على 500 فدان داخل العاصمة الإدارية الجديدة. وفقًا للاتفاق، ستُدار المنطقة بنظام المناطق الحرة الخاصة، مما يوفر حوافز واسعة للمستثمرين تشمل الإعفاء من الضرائب والجمارك على المعدات ومدخلات الإنتاج، بالإضافة إلى مرونة في تحويل الأرباح وبيئة تنظيمية ملائمة.

المشروع الذي تم الإعلان عنه في أكتوبر 2024، يهدف إلى إقامة صناعات متنوعة تشمل الإلكترونيات، السيارات، المنسوجات، والملابس، ومن المقرر أن تبدأ أعمال البنية التحتية خلال النصف الثاني من 2025.

موانئ أبو ظبي ترسخ وجودها في شرق بورسعيد

على الجانب الآخر، تقوم “مجموعة موانئ أبو ظبي” بتنفيذ مشروع ضخم في منطقة شرق بورسعيد، ضمن نطاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بالتعاون المباشر مع الهيئة الاقتصادية. يمتد المشروع على مساحة 20 كيلومترًا مربعًا بنظام حق الانتفاع لمدة 50 عامًا، وتشمل المرحلة الأولى تطوير 2.8 كيلومتر مربع باستثمارات تصل إلى 2 مليار دولار.

يهدف المشروع إلى إنشاء مدينة صناعية ولوجستية متكاملة، مع إنشاء ميناء بحري بطول 1.5 كيلومتر، مما يحول شرق بورسعيد إلى مركز تصدير إقليمي يربط أوروبا بالأسواق الإفريقية والآسيوية.

ما هو “المطور الصناعي”؟

كلا المشروعين – في العاصمة الإدارية وشرق بورسعيد – يُنفذان بنظام “المطور الصناعي”، وهو نموذج استثماري تتبناه الدولة لتسريع وتيرة التنمية الصناعية. يعتمد هذا النظام على منح شركات أجنبية أو محلية حق تطوير وإدارة مناطق صناعية متكاملة تشمل البنية التحتية، وترويج الاستثمار، وجذب المصانع.

يختلف المطور الصناعي عن المطور العقاري في أن دوره لا يقتصر على بيع أو تأجير وحدات، بل يتضمن التزامًا بإقامة بنية إنتاجية فعلية، واستقطاب صناعات تصديرية، وخلق فرص عمل مستدامة.

تيدا الصينية.. نموذج مبكر للمطور الصناعي الناجح

من أبرز الأمثلة على نجاح نموذج المطور الصناعي هو مشروع “تيدا مصر” في العين السخنة، الذي تديره شركة TEDA المملوكة للحكومة الصينية. بدأت أعمالها في مصر عام 2008، وتدير حاليًا منطقة صناعية تزيد مساحتها عن 7 كيلومترات مربعة، تضم مصانع في مجالات البتروكيماويات، الألياف الزجاجية، الإطارات، والمعدات الصناعية.

وقد جذبت تيدا شركات صينية كبرى مثل “جوشي” و”بينخوا بيفار”، وأسست ما يُعرف بالمرحلة الثانية من المنطقة الصناعية الصينية في السخنة، والتي تُعتبر واحدة من أنجح المشروعات الصناعية الأجنبية في مصر.

المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تضم 15 مشروعًا بنظام المطور الصناعي

تُعد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس من أكبر الداعمين لنظام المطور الصناعي، حيث تحتضن حاليًا أكثر من 15 مشروعًا استثماريًا في مناطق السخنة، شرق بورسعيد، القنطرة غرب، ووادي التكنولوجيا. تتنوع هذه المشاريع بين مطورين مصريين وإماراتيين وصينيين وأتراك، جميعهم يعملون تحت إشراف الهيئة في تطوير الأراضي الصناعية وتقديم الخدمات للمستثمرين.

فروقات قانونية جوهرية بين موانئ دبي وكيزاد وتيدا

رغم تشابه الأهداف، تخضع كل منطقة من هذه المشروعات لأنظمة قانونية مختلفة تؤثر في طبيعة تشغيلها:

  • تُدار منطقة موانئ دبي بالعاصمة الإدارية وفقًا لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، وتُعتبر منطقة حرة خاصة تحت إشراف هيئة الاستثمار (GAFI)، مما يمنحها استقلالًا تنظيميًا ومزايا خاصة للمصدرين، مع فرض رسوم جمركية كاملة على أي بيع داخل السوق المحلي.
  • في المقابل، تعمل كل من “كيزاد” في شرق بورسعيد و”تيدا” في السخنة تحت مظلة القانون رقم 83 لسنة 2002 بشأن المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، وتخضعان لإشراف الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. تسمح هذه المناطق بالبيع في السوق المحلي وفق نظام جمركي مخفف، وتتمتع بمرونة تنظيمية مع الحفاظ على الربط المؤسسي مع الدولة.

نماذج متعددة لهدف الـ100 ألف مصنع

يعكس هذا التنوع في النماذج القانونية والتشغيلية رغبة الدولة المصرية في فتح المجال أمام شراكات متنوعة – خليجية وآسيوية – لتطوير الصناعة محليًا، دون التقيّد بنظام موحّد، مما يعزز من مرونة جذب الاستثمارات الصناعية الكبرى.

يأتي ذلك ضمن خطة مصر الصناعية 2030، التي تستهدف رفع الناتج الصناعي إلى نحو 170 مليار دولار، مقارنةً بـ74 مليار دولار فقط في عام 2024، إلى جانب زيادة عدد المصانع العاملة إلى 100 ألف مصنع بدلًا من 68 ألفًا حاليًا. تسعى الدولة من خلال هذه الاستراتيجية إلى تحويل مصر إلى مركز صناعي ولوجستي إقليمي يخدم الأسواق العربية والإفريقية والأوروبية على حد سواء، مستفيدة من الموقع الجغرافي، والاتفاقيات التجارية، والبنية التحتية الحديثة.