بعد حوالي ثلاثة أسابيع من الاشتباكات العنيفة في العاصمة الليبية طرابلس، توصل كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى اتفاق مشترك يهدف إلى تعزيز الأمن وبسط سلطة الدولة. أثار هذا الاتفاق اهتمام الشارع الليبي والمجتمع الدولي، وسط تساؤلات حول قدرته على احتواء الفوضى الأمنية المستمرة وإنهاء ظاهرة انتشار السلاح خارج المؤسسات الرسمية.

مواضيع مشابهة: أسعار الذهب في سوريا اليوم السبت 7 يونيو تراجع من دمشق للحسكة
اتفاق أمني مشترك بين الدبيبة والمنفي بعد اشتباكات طرابلس
تم الإعلان عن الاتفاق مساء الأربعاء عبر منصة “حكومتنا” الرسمية، ويتضمن تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة مؤقتة تضم ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية. ستتولى هذه اللجنة تنفيذ خطة لإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة، مما سيمكن القوات النظامية من استعادة دورها الكامل في فرض القانون والنظام. في الوقت نفسه، تم تشكيل لجنة حقوقية مكونة من ممثلين عن وزارة العدل والنيابة العامة والنقابة العامة للمحامين، بالإضافة إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. تهدف هذه اللجنة إلى مراقبة أوضاع السجون ومراكز الاحتجاز وإجراء زيارات تفتيشية دورية للحالات المخالفة للإجراءات القانونية.
قرارات لترجمة اتفاق المنفي والدبيبة
ترجمة للاتفاق الأمني، أصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قرارًا بتشكيل لجنة مؤقتة للترتيبات الأمنية والعسكرية في طرابلس، برئاسته أو من ينوب عنه. تضم اللجنة ممثلين عن وزارة الداخلية ووزارة الدفاع وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والمنطقة العسكرية الساحل الغربي. ووفقًا للقرار، ستتولى اللجنة إعداد وتنفيذ خطة شاملة لضبط الأمن داخل العاصمة، وفق التشريعات والمرجعيات السياسية المعتمدة، بهدف إنهاء المظاهر المسلحة وإعادة الاعتبار للشرطة والمؤسسات العسكرية النظامية. كما أصدر المنفي قرارًا بتشكيل لجنة حقوقية برئاسة قاضٍ بدرجة مستشار لمتابعة أوضاع السجون وحصر التوقيفات الخارجة عن إطار السلطة القضائية.
اشتباكات طرابلس
جاء الاتفاق الأمني بعد اشتباكات مسلحة اندلعت في 12 مايو الماضي بين قوات تتبع حكومة الوحدة الوطنية وتشكيلات مسلحة غير منضبطة داخل أحياء طرابلس. أسفرت هذه المواجهات عن سقوط ضحايا وأثارت موجة احتجاجات مناوئة للحكومة وأخرى مؤيدة لها، مما دفع السلطات إلى إعلان هدنة عاجلة ومحاولة تهدئة الأوضاع.
مقال له علاقة: لا اتفاق بين اليابان وأميركا دون تنازلات في الرسوم الجمركية
الأمم المتحدة ترحب باتفاق الدبيبة والمنفي
سارعت البعثة الأممية للدعم في ليبيا، التي تتابع الأزمة الليبية عن كثب، إلى إعلان دعمها للاتفاق الأمني الجديد. خلال لقاء جمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مع المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، حنا تيتيه، تم التأكيد على أهمية الالتزام بالهدنة المعلنة وتعزيز التنسيق مع الشركاء المحليين والدوليين لضمان تطبيق الترتيبات الأمنية الجديدة. كما أعلنت وزارة الدفاع في حكومة الدبيبة عن نشر قوات محايدة في مناطق التماس داخل العاصمة، في إطار جهود تثبيت الهدنة ووقف التصعيد.
انقسام حكومي يهدد تنفيذ اتفاق الدبيبة والمنفي
على الرغم من أهمية الخطوات المعلنة، يظل الانقسام السياسي في البلاد العائق الأكبر أمام تنفيذ أي اتفاق شامل. ليبيا تعيش منذ أكثر من ثلاث سنوات حالة ازدواج في السلطة، حيث تسيطر حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة على غرب البلاد، بينما تسيطر حكومة أسامة حماد، المكلّفة من مجلس النواب، على شرق البلاد ومدن في الجنوب. هذا الانقسام يجعل من الصعب فرض رؤية أمنية موحدة ويهدد أي خطوات نحو توحيد المؤسسات، بما في ذلك الأجهزة العسكرية والأمنية.
تحديات تواجه تنفيذ اتفاق الدبيبة والمنفي
نجاح الاتفاق مرهون بعدة تحديات، أبرزها مدى التزام التشكيلات المسلحة ببنوده وتوافر الإرادة السياسية لنزع السلاح ودمج المسلحين ضمن المؤسسات الرسمية. هناك حاجة أيضًا لدعم دولي فعلي لمراقبة تطبيق الاتفاق وضمان تنفيذه على الأرض. يؤكد مراقبون أن الاتفاق لن يحقق أهدافه إذا لم يتم ضبط السلاح ووضع حد لسلطة الجماعات المسلحة، التي غالبًا ما تتدخل في الشؤون الأمنية خارج إطار الدولة، مما يعوق فرض القانون ويقوض الاستقرار.
هل تبدأ طرابلس مسارًا جديدًا؟
وفقًا للمراقبين، قد يشكل الاتفاق بين الدبيبة والمنفي نقطة تحول في المشهد الأمني الليبي إذا تم تطبيقه بجدية. العاصمة طرابلس، المركز السياسي والاقتصادي الأهم في البلاد، تحتاج إلى استقرار أمني يمهد الطريق للانتقال السياسي وتوحيد المؤسسات والوصول إلى الانتخابات المرتقبة. ومع استمرار جهود البعثة الأممية، وترقب محلي ودولي حذر، تبقى الأسابيع القادمة حاسمة لاختبار جدية الأطراف وقدرتها على تنفيذ ما تم التوافق عليه، في بلد أنهكته الانقسامات والصراعات منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.