تشهد محافظات مصر حاليًا ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، في ظل تحذيرات من منظمة الأرصاد العالمية التي تؤكد أن العالم بأسره دخل مرحلة حرجة من الاحتباس الحراري. يُتوقع أن تؤثر هذه الظاهرة بشكل مباشر على منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها مصر، مع توقعات بصيف 2025 أن يكون الأشد حرارة خلال أكثر من عقد، مع ذروة مبكرة وشديدة الحرارة مقارنة بالأعوام السابقة.
تشير أحدث التقارير الدولية إلى تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية حدّ 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الحد الذي حذرت منه اتفاقية باريس للمناخ عام 2015. هذا الواقع الجديد يفرض تحديات بيئية كبيرة، مع تطرف متزايد في الظواهر الجوية حول العالم.
من نفس التصنيف: ختام صحة إفريقيا دعم الذكاء الاصطناعي وتوسيع الإنتاج المحلي
تقرير دولي: حرارة الأرض تتجاوز 1.5 درجة مئوية
أفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في تقرير حديث أن هناك احتمالًا بنسبة 70% بأن يتجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية بين عامي 2025 و2029 مستويات ما قبل الثورة الصناعية بأكثر من 1.5 درجة مئوية. واعتبر التقرير أن هذا الارتفاع لم يعد مجرد سيناريو مستقبلي، بل واقعًا مناخيًا يتطور تدريجيًا، مما يهدد الاستقرار البيئي العالمي ويؤدي إلى زيادة حدة الظواهر الجوية المتطرفة في معظم أنحاء العالم.
من نفس التصنيف: بمناسبة اليوم العالمي.. جهود التعليم العالي لمواجهة التصحر والجفاف
حرارة غير معتادة في مصر ودرجات تتجاوز 45 مئوية
في مصر، سجلت الهيئة العامة للأرصاد الجوية ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة خلال النصف الأول من يوليو، حيث وصلت في بعض مناطق الصعيد إلى 46 درجة مئوية، بينما تجاوزت درجات الحرارة في القاهرة الكبرى 42 درجة، وهي أرقام نادرة الحدوث في هذا الوقت من العام. وأوضح الدكتور محمود شاهين، مدير مركز التنبؤات بهيئة الأرصاد، أن هذه الموجة الحارة ناجمة عن تأثير امتداد منخفض الهند الموسمي، المصحوب برياح حارة وجافة قادمة من شبه الجزيرة العربية، مع غياب التيارات البحرية المعتدلة.
تغيّرات مناخية تضرب منطقة الشرق الأوسط
يتفق خبراء المناخ على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد من أكثر المناطق هشاشة أمام تغير المناخ، مما يجعل ارتفاع درجات الحرارة فيها أكثر حدة من المعدل العالمي. وحذر الدكتور عمرو ربيع، أستاذ المناخ بجامعة عين شمس، من أن استمرار تجاوز حد 1.5 درجة عالميًا سيؤدي إلى اختلال توزيع الأمطار والزراعة الموسمية، وارتفاع مستوى سطح البحر مع تهديد المدن الساحلية، وزيادة الضغط على مصادر المياه العذبة، وتصاعد وتيرة موجات الحر والجفاف. وأكد أن ما تشهده المنطقة اليوم هو مجرد بداية لعقود أكثر تحديًا مناخيًا ما لم تُتخذ إجراءات دولية صارمة للحد من انبعاثات الكربون والتحول إلى الطاقة النظيفة.
على الصعيد المحلي، أعلنت وزارة الصحة المصرية حالة الاستعداد القصوى في المستشفيات، مع تفعيل خطط الطوارئ للتعامل مع حالات الإجهاد الحراري، خصوصًا بين كبار السن، والعمال الميدانيين، ومرضى الضغط والسكر. كما ناشدت وزارة الكهرباء والطاقة المواطنين بضرورة ترشيد استهلاك الكهرباء خلال فترات الذروة لتجنب الضغط على الشبكة القومية، فيما اتخذت وزارة التربية والتعليم إجراءات مرنة تتعلق بالتجمعات المدرسية والأنشطة الخارجية.
توصيات هيئة الأرصاد للمواطنين
دعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المواطنين إلى اتباع إجراءات السلامة خلال موجة الحر، ومنها تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس بين الساعة 12 ظهرًا و4 عصرًا، وشرب كميات كافية من الماء حتى دون الشعور بالعطش، وارتداء الملابس القطنية الخفيفة، واستخدام المظلات والقبعات الواقية، بالإضافة إلى أخذ فترات راحة دورية للعاملين في الأماكن المفتوحة.
مناخ يتغير… ومسؤولية مشتركة
تجاوز درجة حرارة الأرض حاجز 1.5 درجة مئوية لا يعني فقط ارتفاعًا في درجات الحرارة، بل يشير إلى تغيّرات جذرية في جميع مناحي الحياة، من الغذاء إلى المياه، ومن الطاقة إلى الأمن. وما تشهده مصر اليوم من ارتفاعات غير مسبوقة في الحرارة هو إنذار واضح لكل مؤسسات الدولة والأفراد، بأن التعامل مع تحديات المناخ أصبح ضرورة وجودية، لا مجرد رفاهية بيئية.