تمويل 215 ألف مشروع بـ33 مليار جنيه يعيد تشكيل الاقتصاد غير الرسمي في مصر

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، تسعى الدولة جاهدة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتحويله نحو النمو الرسمي والمستدام. فقد تم تمويل أكثر من 215 ألف مشروع صغير ومتوسط بقيمة تجاوزت 33 مليار جنيه، من خلال جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، في خطوة تهدف إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن الاقتصاد الرسمي.

تأتي هذه المبادرة الضخمة ضمن خطة شاملة تهدف إلى مواجهة الاقتصاد غير الرسمي الذي يشكل عبئًا على المنظومة الاقتصادية، وتعزيز الحصيلة الضريبية ورفع كفاءة الاقتصاد الكلي، عبر تسهيل عملية دمج وحداته الاقتصادية في النظام الرسمي.

قطاع غير رسمي بحجم اقتصاد.. كيف نواجهه؟

يُقدر حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر ما بين 40% إلى 55% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل حوالي 14 تريليون جنيه، وفقًا للدكتور حسن الصادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة. ورغم ضخامة هذا القطاع، يعتبر دمجه ضرورة ملحة لتعزيز الاقتصاد الوطني.

جهود الدمج والتوعية

أكد الدكتور رضا عبد القادر، مساعد وزير المالية لشؤون الضرائب، أن الوزارة نجحت في دمج أكثر من 850 ألف وحدة اقتصادية غير رسمية في المنظومة الضريبية عبر حملات توعية ومبادرات تسهّل التسجيل وتُعفي من الغرامات، مما ساهم في تعزيز الشفافية الاقتصادية.

الدعم غير المالي والتحول الرقمي

لم يقتصر الدعم على التمويل فقط، بل قدم جهاز تنمية المشروعات أكثر من 136 ألف خدمة غير مالية للمستفيدين، شملت التدريب، التسويق، التسهيلات في التسجيل والتراخيص. كما تم دمج أكثر من 1000 مشروع على المنصات الإلكترونية، بدعم من برامج التحول الرقمي والشمول المالي، مما ساعد في ربط المشاريع بالاقتصاد الرسمي.

وأشارت الدكتورة فاطمة عبد الله، خبيرة الاقتصاد الرقمي، إلى أن التحول الرقمي أتاح فرصًا غير مسبوقة لأصحاب المشروعات الصغيرة، خاصة مع ربط التمويل بالحسابات البنكية واستخدام الفواتير الإلكترونية، مما شجع آلاف الأنشطة غير الرسمية على اتخاذ خطوات جادة نحو التسجيل.

ما تحقق وما ينتظر

يرى الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية البحرية، أن نسبة الاقتصاد غير الرسمي تراجعت من 80% عام 2011 إلى نحو 50% في 2025، لكنه حذر من أن البيروقراطية وتعقيد الإجراءات ما زالا يشكلان عائقًا أمام الدمج الكامل، داعيًا إلى سن تشريعات موحدة وتوفير ضمانات حماية اجتماعية.

تحديات التسجيل والتكاليف

أكد الخبير الاقتصادي شريف الخُريبي أن ارتفاع تكلفة التسجيل والضرائب لا تزال تمثل عقبة حقيقية أمام رواد الأعمال، مشددًا على ضرورة تبسيط المنظومة بالكامل وتحفيزهم بالدعم الفني إلى جانب الدعم المالي.

أهمية الاستقرار الاقتصادي

من جانبه، أوضح الدكتور محمد أنيس أن نجاح خطة الدمج يعتمد بشكل كبير على استقرار السياسات الاقتصادية الكلية، خصوصًا في ظل التحديات المتعلقة بسعر الصرف وخدمة الدين، مما يستدعي تحقيق توازن بين التحفيز الاقتصادي وتقليل الدين العام.

المرأة في قلب التحول

تلعب المرأة المصرية دورًا أساسيًا في الاقتصاد غير الرسمي، حيث تم تمويل نحو 99,200 مشروع نسائي بقيمة تجاوزت 3 مليارات جنيه، مما وفر أكثر من 145 ألف فرصة عمل، وفق بيانات جهاز المشروعات. وهذا يعكس إدراكًا حقيقيًا بأهمية تمكين المرأة كرافد رئيسي في الاقتصاد الوطني.

رغم التقدم الملحوظ، لا يزال الطريق أمام دمج الاقتصاد غير الرسمي طويلًا، إذ يحتاج إلى منظومة متكاملة من التشريعات، الحوافز، والرقابة الذكية. فقط عندما يشعر صاحب المشروع أن دخوله إلى الاقتصاد الرسمي يوفر له الأمان وفرص النمو، سيختار بحرية الخروج من الظل إلى النور.

بين التمويل والتشريع، يكمن مستقبل اقتصاد مصري أكثر عدالة، شفافية، وازدهارًا.