عميل يكشف أسرار فوردو في قلب النظام الإيراني

في واحدة من أكثر قضايا التجسس تعقيدًا في تاريخ البرنامج النووي الإيراني، تم الكشف عن أن شخصية إيرانية بارزة كانت وراء تسريب معلومات حساسة تتعلق بمنشأة “فوردو” السرية، التي تُعتبر من أهم مواقع تخصيب اليورانيوم في البلاد. تكشف هذه القضية عن تفاصيل مثيرة حول كيفية إحباط خطط إيران النووية من خلال شبكة معقدة من التجسس والاستخبارات.

تتعلق هذه القضية بمدى تأثير المعلومات المسربة على الأمن القومي الإيراني، وكيف يمكن لشخصيات رفيعة المستوى أن تلعب دورًا حاسمًا في تحولات كبيرة في مجرى الأحداث. تسلط هذه الحادثة الضوء أيضًا على الديناميكيات المعقدة بين الدول الغربية وإيران، وتفتح بابًا لفهم أعمق لجوانب الحرب الباردة الحديثة.

العميل الذي قلب المعادلة

في عام 2008، تلقت الاستخبارات البريطانية الخارجية “MI6” معلومات حاسمة من عميل تم تجنيده بعناية، تؤكد أن منشأة “فوردو” ليست مجرد موقع تخزين، بل هي منشأة نووية تحت الأرض بعمق يتراوح بين 80 و90 مترًا، قادرة على استيعاب نحو 3000 جهاز طرد مركزي. هذه المعلومات كانت بمثابة صدمة حتى للاستخبارات الإسرائيلية، التي أُبلغت بها لاحقًا، وفقًا لشهادة يوني كورين، رئيس هيئة أركان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك.

من نائب وزير إلى عميل مزدوج

الشخصية المحورية في هذه القصة هو علي رضا أكبري، الذي شغل منصب نائب وزير الدفاع الإيراني بين عامي 1998 و2005. بدأت عملية تجنيده في عام 2004 خلال حفل استقبال في السفارة البريطانية بطهران، حيث بدأ التواصل معه من قبل دبلوماسي بريطاني كان في الواقع ضابطًا في “MI6”. استُدرج أكبري تدريجيًا عبر لقاءات غير رسمية ومجاملات دبلوماسية، مستفيدًا من موقعه كحلقة وصل بين النظام الإيراني وسفراء الغرب.

الإغراءات والاختراق

مع مرور الوقت، حصل أكبري وأسرته على تأشيرات إقامة طويلة في بريطانيا، ثم الجنسية البريطانية في عام 2012. استقر في منطقة هامرسميث بلندن، وتلقى دعمًا ماليًا تجاوز مليوني يورو، بالإضافة إلى عقارات في لندن وفيينا وجنوب إسبانيا. كما قام بإنشاء شركات وهمية لتسهيل تحركاته واجتماعاته مع مشغليه البريطانيين.

ما وراء “فوردو”

لم يقتصر دور أكبري على كشف طبيعة منشأة “فوردو”، بل زوّد البريطانيين بمعلومات عن أكثر من 100 شخصية فاعلة في البرنامجين النووي والصاروخي الإيراني، من بينهم العالم النووي البارز محسن فخري زاده، الذي اغتيل لاحقًا في عام 2020 في عملية نُسبت إلى الموساد الإسرائيلي.

السقوط والاعتقال

رغم اعتقاله لفترة قصيرة في عام 2008، لم تتمكن الاستخبارات الإيرانية من إثبات التهم ضده حينها، فأُطلق سراحه وسُمح له بالسفر. لكنه ظل تحت المراقبة. في عام 2019، عاد إلى طهران بناءً على استدعاء من علي شمخاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وهناك تم اعتقاله مجددًا.

النهاية الدرامية

في يناير 2023، وبعد تحقيقات مطولة، أُعدم علي رضا أكبري بتهمتي “الإفساد في الأرض” و”التجسس لصالح بريطانيا”. ورغم إنكاره التهم حتى اللحظة الأخيرة، أكدت مصادر استخباراتية غربية لاحقًا أنه كان بالفعل المصدر الذي كشف الغرض الحقيقي لمنشأة “فوردو”، والتي كانت الاستخبارات الغربية تجهل طبيعتها الدقيقة حتى ذلك الحين.