أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة براون أن أنماط هطول الأمطار في شمال أفريقيا ظلت مستقرة إلى حد كبير بين 3.5 و2.5 مليون سنة مضت. تعتبر هذه الفترة محورية في تاريخ المناخ الأرضي، حيث شهدت تبريدًا في نصف الكرة الشمالي وتحولات كبيرة في مناطق مثل جرينلاند التي أصبحت بيئات متجمدة بشكل دائم.
تشير النتائج المنشورة في مجلة ساينس أدفانسز إلى أن التفسيرات السابقة لتاريخ مناخ شمال أفريقيا، والتي افترضت حدوث جفاف كبير خلال هذه الفترة، قد تحتاج إلى إعادة تقييم. يتزامن هذا التوقيت مع ظهور أول فرد معروف من جنس الإنسان في السجل الأحفوري، مما يثير تساؤلات حول تأثير المناخ على تطور الإنسان.
من نفس التصنيف: أسعار الذهب اليوم السبت انخفاض ملحوظ في عيار 21 يثير قلق المستثمرين
نتائج الدراسة
تختلف هذه الدراسة الجديدة عن الأبحاث السابقة، إذ اعتمدت على تحليل مؤشر أكثر دقة لهطول الأمطار، وهو شمع الأوراق الذي تنتجه النباتات خلال موسم النمو الصيفي. يُعتبر هذا الشمع مؤشرًا مباشرًا لمستويات الأمطار في تلك الفترة.
تحليل الشمع والأمطار
قال برايس ميتسوناجا، قائد الفريق البحثي، إن النباتات تنتج هذا الشمع خلال موسم النمو، مما يوفر إشارة مباشرة لهطول الأمطار الصيفية عبر الزمن. وقد أظهرت النتائج أن دورات هطول الأمطار لم تتغير كثيرًا حتى مع التحولات الكبرى في درجات الحرارة والتجلد.
إعادة تقييم الأدلة السابقة
استندت الأدلة السابقة حول جفاف شمال أفريقيا إلى كميات الغبار القاري الموجودة في رواسب محيطية قبالة ساحل غرب أفريقيا. وكان يُعتقد أن تزايد الغبار في تلك الفترة، التي تُعرف بانتقال العصر البليوسيني إلى البليستوسيني، يشير إلى توسع الصحراء الكبرى بسبب ضعف الرياح الموسمية. ومع ذلك، قامت الدراسة الجديدة بتحليل شمع الأوراق في نفس العينات التي عُثر فيها على الغبار، حيث يحتفظ هذا الشمع ببصمة نظيرية للماء الذي تمتصه النباتات، وهي بصمة تختلف باختلاف كمية الأمطار.
أظهر التحليل أنه لم يكن هناك اتجاه واضح نحو الجفاف في نهاية العصر البليوسيني وبداية البليستوسيني، بل بقيت أنماط الأمطار الصيفية مستقرة، مما يشير إلى أن هذه الأنماط لم تتأثر بشكل كبير بالتغيرات المناخية العالمية في ذلك الوقت. تقترح الدراسة أن الغبار المكتشف في الدراسات السابقة قد يكون ناتجًا عن تغيرات في أنماط الرياح أو شدتها، وليس بالضرورة نتيجة لتغير في الأمطار.
تكتسب هذه النتائج أهمية كبيرة لفهم مناخ الماضي والمستقبل، خاصة أن مستويات ثاني أكسيد الكربون حينها كانت مشابهة لما هي عليه اليوم، رغم أن الاتجاهات كانت مختلفة. قال ميتسوناجا: “إذا تمكنا من فهم كيفية تأثير المناخ العالمي في دورة المياه حينذاك، فقد يساعدنا ذلك في التنبؤ بهطول الأمطار مستقبلًا في هذه المنطقة التي تعاني أصلًا من شح مائي.”
وأضاف جيم راسل، أستاذ علوم الأرض بجامعة براون والمؤلف الرئيسي للدراسة، أن النتائج تفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول تأثير المناخ على التطور البشري. يتزامن توقيت ظاهرة الجفاف المفترضة سابقًا مع ظهور أنواع بشرية مبكرة، مثل الإنسان الماهر والبارانثروبوس، مما دفع البعض للاعتقاد بأن الجفاف ربما حفّز تطور المشي المنتصب وتغير أنماط الحياة. ومع ذلك، فإن غياب أدلة على هذا الجفاف يعقد من هذه الفرضية.
اقرأ كمان: تحالف الصحراء والوادي في العلاقات المصرية الإماراتية الاستراتيجية
واختتم راسل بالقول: “نحتاج إلى دراسات جديدة لفهم متى ولماذا انتقل مناخ أفريقيا إلى حالة أكثر جفافًا، وإعادة تقييم النظريات المتعلقة بأصول الإنسان.”