مع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، عاد مضيق هرمز إلى واجهة الاهتمام العالمي كمصدر قلق استراتيجي للاقتصاد العالمي. يأتي ذلك في ظل التهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق المضيق، الذي يمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية، ما يضع العالم أمام مخاطر اقتصادية كبيرة ومتنامية.
في ظل الضربات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت منشآت إيرانية، وموافقة البرلمان الإيراني مبدئيًا على إغلاق المضيق وانتظار القرار النهائي من المجلس الأعلى للأمن القومي، تتزايد المؤشرات على دخول المنطقة في مرحلة تصعيد غير مسبوقة، تحمل تداعيات خطيرة على أسواق الطاقة والتوازن الاقتصادي العالمي.
مواضيع مشابهة: ارتفاع أسعار الذهب بفضل تراجع الدولار واستمرار شراء المركزي الصيني
التداعيات الاقتصادية لإغلاق مضيق هرمز
أكد الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، أن موافقة البرلمان الإيراني على إغلاق مضيق هرمز ردًا على الضربات الأمريكية، تنذر بكارثة اقتصادية عالمية تفوق تأثير الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وأوضح أن أي تعطيل للممر سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط قد يتراوح بين 100 و150 دولارًا للبرميل، مما ينعكس سلبًا على اقتصادات كبرى مثل الصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي.
تعتمد الهند والصين على مضيق هرمز
أشار غراب إلى أن الهند تعتمد على المضيق لاستيراد نحو 70% من احتياجاتها النفطية، بينما تعتمد الصين عليه لتأمين أكثر من 50% من وارداتها النفطية. كما أوضح أن أوروبا زادت من اعتمادها على المضيق بعد تقليص وارداتها من الطاقة الروسية، ما يجعل إغلاق المضيق خطرًا مباشرًا على أكثر من 30 دولة، مع تأثيرات غير مباشرة تمتد إلى باقي دول العالم.
حجم التجارة التي تمر عبر المضيق
أفاد غراب أن التقديرات تشير إلى مرور نحو 23 مليون برميل نفط خام يوميًا عبر المضيق، قادمة من دول رئيسية مثل العراق والكويت والسعودية والإمارات وإيران، ما يمثل نحو 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط ونحو نصف الطاقة التي تغذي الاقتصاد العالمي. كما يمر عبر المضيق شحنات مهمة من سلع استراتيجية مثل الحبوب وخام الحديد والأسمنت والعديد من المنتجات المصنعة.
مواضيع مشابهة: رئيس الوزراء يراقب تحرك سريع لترشيد الكهرباء في الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة
وحذر من أن تنفيذ قرار الإغلاق سيكون بمثابة انتحار اقتصادي لإيران نفسها قبل أن يؤثر على العالم، نظرًا لاعتمادها على المضيق لتصدير نفطها. وأكد أن أي اضطرابات في هذا الممر الحيوي ستؤدي إلى قفزة كبيرة في أسعار الطاقة والغذاء، واختلال في سلاسل الإمداد العالمية، بالإضافة إلى ضغوط تضخمية واسعة تدفع البنوك المركزية إلى مراجعة سياساتها النقدية في ظل أزمة مركبة تشمل الطاقة والأسواق والمال.
في السياق ذاته، أكد هاني أبوالفتوح، الخبير المصرفي، أن تصاعد التوترات الجيوسياسية في الخليج، خاصة التهديدات المتكررة بإغلاق مضيق هرمز، ينبئ بأزمة طاقة عالمية قد تكون أكثر حدة من الأزمات السابقة. وأوضح أن المضيق يعد الشريان الحيوي لنقل الطاقة عالميًا، حيث تمر عبره يوميًا نحو 20% من صادرات النفط العالمية، أي أكثر من 20 مليون برميل.
وأشار إلى أن تعطيل الملاحة في هذا الممر الضيق سيؤدي حتمًا إلى اضطرابات عنيفة في إمدادات الطاقة وارتفاعات كبيرة في الأسعار، قد تتجاوز 100 إلى 150 دولارًا للبرميل في حال استمرار التصعيد. كما اعتبر القرار المبدئي للبرلمان الإيراني مؤشرًا خطيرًا على احتمال تحول الأزمة إلى صراع مفتوح يطول الأسواق العالمية، خاصة مع تصريحات قادة الحرس الثوري بأن “جميع الخيارات مطروحة”، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات تصعيد معقدة.
وأضاف أبوالفتوح أن التداعيات لن تقتصر على أسواق الطاقة فقط، بل ستمتد لتشمل ارتفاع تكاليف الشحن والنقل وسلاسل التوريد، مما ينعكس على أسعار الغذاء والسلع الأساسية عالميًا. وأشار إلى أن الأسواق بدأت تشعر بهذا الخطر فعليًا، حيث ارتفعت أسعار النفط إلى نحو 80 دولارًا للبرميل وسط توقعات بمزيد من الصعود إذا لم يتم احتواء الوضع سياسيًا.
وحذر من أن الدول الآسيوية مثل الصين والهند ستكون الأكثر تضررًا بسبب اعتمادها الكبير على النفط المار عبر مضيق هرمز، حيث تعتمد الصين على هذا الممر لتأمين أكثر من 50% من احتياجاتها النفطية، بينما تصل النسبة في الهند إلى نحو 70%. كما أشار إلى أن تداعيات الإغلاق ستؤثر بشكل غير مباشر على مصر ودول البحر المتوسط من خلال تعطيل حركة الملاحة في قناة السويس وارتفاع تكاليف الواردات.
وأوضح أن البدائل مثل خطوط أنابيب السعودية والإمارات قد تساهم جزئيًا في امتصاص الصدمة، لكنها غير قادرة على تعويض حجم الإمدادات اليومية التي تمر عبر هرمز، ما يجعل العالم يواجه تحديًا استراتيجيًا حقيقيًا.
واختتم تحليله بالتأكيد على أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، حيث إما أن تتجه الأطراف إلى احتواء التوتر وتفادي التصعيد، أو نشهد واحدة من أكثر الأزمات الطاقية حدة في التاريخ الحديث، مشددًا على ضرورة تحرك القوى الدولية بسرعة لتجنب انفجار اقتصادي يضرب الأسواق من الشرق إلى الغرب.