في خطوة جديدة لتعزيز الاستقرار المالي لمصر، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا استثنائيًا يقضي بتخصيص 174 مليون متر مربع من أراضي الدولة في محافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية. القرار، الذي نُشر في الجريدة الرسمية يوم الثلاثاء 10 يونيو 2025، يهدف إلى دعم جهود الدولة في تقليص الدين العام عبر استخدام هذه المساحات في إصدار الصكوك السيادية. يأتي هذا الإجراء في إطار حزمة أوسع من السياسات الاقتصادية التي تنفذها الدولة لتحقيق السيطرة على مستويات الدين الخارجي والداخلي، وتنويع مصادر التمويل بشكل مبتكر بعيدًا عن التوسع في القروض التقليدية.
هدف القرار: الصكوك السيادية أداة للسيطرة على الدين
وفقًا لنص القرار، ستُستخدم الأراضي المخصصة لتلبية احتياجات الدولة من التمويل عبر إصدار الصكوك السيادية، التي تُعتبر من الحلول التمويلية المعترف بها عالميًا. وتمكّن هذه الصكوك الدولة من جذب مستثمرين محليين ودوليين من خلال أدوات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يفتح آفاقًا أوسع للسيولة والاستثمار.
من نفس التصنيف: سعر الدولار اليوم في البنوك المصرية
الدين الخارجي يتراجع لأول مرة منذ سنوات
في نفس السياق، أظهرت تقارير رسمية تراجع الدين الخارجي لمصر بمقدار 111 مليون دولار خلال الربع الأخير من عام 2024، ليصل إلى 155.09 مليار دولار. وقد اعتبر محللون هذا التراجع مؤشرًا إيجابيًا يعكس نجاح الحكومة في إدارة ملف الدين. رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، أكد في وقت سابق أن الحكومة المصرية تتبع سياسة محسوبة في الاقتراض الخارجي، حيث تضع سقفًا واضحًا لهذا النوع من التمويل. وأوضح أن إصدارات السندات والصكوك تهدف إلى تمديد آجال استحقاقات الدين وتقليل الأعباء السنوية على الموازنة.
مقال مقترح: أسعار النفط ترتفع بأكثر من 10% عقب الهجمات الإسرائيلية على إيران
خطة خفض الدين: تحويل الودائع إلى استثمارات
وفي تطور ملحوظ ضمن جهود الدولة المالية، أبرمت الحكومة المصرية صفقة مع دولة الإمارات في عام 2024 تتضمن بيع 170 مليون متر مربع من أراضي رأس الحكمة مقابل 24 مليار دولار، بالإضافة إلى تحويل 11 مليار دولار من الديون الإماراتية إلى استثمارات مباشرة داخل مصر. تسعى الحكومة الآن لتحويل المزيد من ودائع الدول الخليجية لدى البنك المركزي إلى استثمارات استراتيجية، مما يساهم في تخفيف أعباء خدمة الدين الخارجي ويحقق عوائد اقتصادية طويلة الأمد.
أبعاد استراتيجية ونتائج متوقعة
تحمل هذه الخطوة أبعادًا استراتيجية تتجاوز الأثر المالي المباشر، حيث تشير إلى توجه الدولة نحو تعظيم استغلال أصولها غير المستغلة وربطها بأهداف تنموية ومؤشرات مالية. كما يُتوقع أن تساهم هذه الإجراءات في تحسين التصنيف الائتماني لمصر وزيادة ثقة المستثمرين الدوليين. يرى خبراء الاقتصاد أن تخصيص مساحات بهذا الحجم لصالح وزارة المالية لا يُعتبر حلاً مرحليًا فحسب، بل يعكس رؤية اقتصادية مستقبلية ترتكز على استدامة النمو وتقليص الاعتماد على الاقتراض المفرط.
ختام: رؤية جديدة لإدارة الدين عبر أدوات غير تقليدية
بهذا القرار التاريخي، تضع الحكومة المصرية إطارًا عمليًا لاستخدام الصكوك السيادية كأداة هيكلية لإدارة الدين العام، وتُرسخ نهجًا اقتصاديًا يعتمد على تعظيم العوائد من أصول الدولة وتحويلها إلى أدوات مالية مولدة للقيمة. من المتوقع أن تتابع الأسواق الدولية هذا التطور باهتمام، خاصة في ظل تصاعد اهتمام المؤسسات المالية العالمية بأدوات التمويل الإسلامية، والصكوك السيادية تحديدًا، كوسيلة للاستثمار الآمن والمستدام.