ترأس قداسة البابا لاون الرابع عشر، قداس عيد حلول الروح القدس (عيد العنصرة) في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان.
في عظةٍ عميقة ومؤثرة، تناول البابا رمزية علّية صهيون التي تتجدد في قلب الكنيسة وحياة كل مؤمن، مؤكدًا أن عطية الروح القدس ليست مجرد حدث تاريخي بل هي واقع مستمر، كريح تهزنا، وكدويّ يوقظنا، وكشعلة تنير وتلهب القلوب.
شوف كمان: أسعار الأضاحي لعام 2025 وتفاصيل سعر كيلو العجول والخراف والماعز
الصعود إلى السماء
قال: “لقد أشرق لنا اليوم المفرح، ذلك اليوم الذي فيه أرسل الرب يسوع المسيح، الممجد بصعوده إلى السماء بعد قيامته، الروح القدس”، وأكد أن ما حدث في علّية صهيون يتجدد اليوم، كريح عاصفة تهزنا، وكدويّ يوقظنا، وكنارٍ تنيرنا، حيث تنزل علينا عطية الروح القدس
وتابع الأب الأقدس قائلاً: كما سمعنا في القراءة الأولى، يعمل الروح شيئًا استثنائيًا في حياة الرسل، فهؤلاء الذين انغلقوا على أنفسهم بعد موت يسوع، أصبحوا الآن ينالون نظرة جديدة وفهمًا عميقًا للقلب يساعدهم على تفسير الأحداث، ويختبرون بشكل حميم حضور القائم من بين الأموات، لقد انتصر الروح القدس على خوفهم، وكسر القيود الداخلية، وهدّأ جراحهم، ومنحهم الشجاعة للخروج والإعلان عن أعمال الله
يخبرنا سفر أعمال الرسل أن أورشليم كانت مزدحمة بأناس من أصول مختلفة، ومع ذلك “كان كل واحد منهم يسمعهم يتكلمون بلغة بلده”، وهكذا في يوم العنصرة، تُفتح أبواب العلّية لأن الروح يفتح الحدود، وكما يؤكد البابا بندكتس السادس عشر: “إنَّ الروح القدس يمنح الفهم، ويتجاوز الانقسام الذي بدأ في بابل، ويعزز العلاقات بين الشعوب، على الكنيسة أن تفتح الحدود بين الشعوب، وتحطم الحواجز بين الطبقات والأعراق، فلا يمكن أن يكون فيها منسيون أو محتقرون، في الكنيسة لا يوجد سوى إخوة وأخوات يسوع المسيح الأحرار”
وأضاف الحبر الأعظم قائلاً: إنها صورة بليغة للعنصرة، أود أن أتأمل معكم حولها، إنَّ الروح يفتح الحدود أولًا في داخلنا، فهو العطية التي تفتح حياتنا على المحبة، وهذا الحضور الإلهي يذيب صلابتنا، وانغلاقنا، وأنانيتنا، والمخاوف التي تشلّنا، والنرجسيات التي تجعلنا ندور حول أنفسنا، يأتي الروح القدس لكي يتحدّى خطر حياة تنكمش وتمتصها الفردية
من المحزن أن نلاحظ كيف أنَّنا في عالم مليء بفرص التواصل، نجد أنفسنا – بشكل متناقض – أكثر وحدة، “متصلون” على الدوام، ولكن عاجزون عن “بناء شبكة”، نغوص دائمًا في الزحام ونبقى مسافرين تائهين ووحيدين، بالمقابل، يكشف لنا روح الله طريقة جديدة لرؤية الحياة وعيشها، يفتحنا على اللقاء مع ذواتنا، أبعد من الأقنعة التي نرتديها، يقودنا إلى اللقاء مع الرب، ويربّينا لكي نختبر فرحه، ويقنعنا – بحسب كلمات يسوع التي سمعناها – بأننا إذا ثبتنا في المحبة ننال القوة لكي نحفظ كلمته وبالتالي أن تتحوّلنا، هو يفتح الحدود في داخلنا لكي تصبح حياتنا فُسحة مضيافة.
وتابع الأب الأقدس قائلاً: كذلك يفتح الروح أيضًا الحدود في علاقاتنا مع الآخرين، فيقول يسوع إن هذه العطية هي المحبة التي تجمعه بالآب، وعندما تسكن محبة الله في قلوبنا، نصبح قادرين على الانفتاح على الإخوة، وعلى التغلب على قساوتنا، وعلى تخطي الخوف من الآخر المختلف، وعلى تهذيب الأهواء المضطربة في داخلنا، لكنَّ الروح يحوّل أيضًا تلك المخاطر الخفية التي تلوّث علاقاتنا، مثل سوء الفهم، والأحكام المسبقة، والاستغلال المتبادل، أفكر – وبألم كبير – في العلاقات التي يُفسدها السعي للهيمنة على الآخر، وهو سلوك ينتهي كثيرًا، وللأسف، بالعنف، كما تدل على ذلك العديد من حالات قتل النساء التي نشهدها في أيامنا، أما الروح القدس، فهو يُنضج فينا الثمار التي تساعدنا على عيش علاقات صادقة وسليمة: “المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان، والوداعة والعفاف”
بهذه الطريقة، يوسّع الروح حدود علاقاتنا مع الآخرين، ويفتحنا على فرح الأخوّة، وهذا معيار حاسم بالنسبة للكنيسة: نحن نكون حقًا كنيسة القيامة وتلاميذ العنصرة فقط إذا لم تكن بيننا حدود ولا انقسامات، إذا عرفنا كيف نتحاور ونقبل بعضنا داخل الكنيسة، مندمجين في تنوعنا، وإذا أصبحنا ككنيسة فسحة مضيافة تستقبل الجميع
اقرأ كمان: مصر تشارك اليوم في مؤتمر العمل الدولي بوفد عمالي كبير
وأضاف الحبر الأعظم قائلاً: وأخيرًا، يفتح الروح الحدود بين الشعوب أيضًا، ففي العنصرة، يتحدث الرسل بلغات الذين يلتقون بهم، وتتبدَّد فوضى بابل أخيرًا بالانسجام الذي يخلقه الروح
واختتم قداسة البابا لاون الرابع عشر عظته بالقول في احتفاله بعيد العنصرة: لاحظ قداسة البابا فرنسيس أن “هناك في عالم اليوم الكثير من الانقسام والتفرقة، نحن جميعًا متصلون، ومع ذلك نجد أنفسنا منفصلين عن بعضنا، مخدَّرين باللامبالاة ومثقَّلين بالوحدة”، والحروب التي تهز كوكبنا ما هي إلا علامة مأساوية على هذا الواقع، لنطلب روح المحبة والسلام، لكي يفتح الحدود، ويهدم الجدران، ويبدّد الكراهية، ويساعدنا على أن نعيش كأبناء للآب الواحد الذي في السماوات
أيها الإخوة والأخوات، إن العنصرة هي التي تجدّد الكنيسة والعالم، لتهُبّ علينا وفي داخلنا ريح الروح القدس العاتية، ولتفتح حدود القلوب، وتمنحنا نعمة اللقاء مع الله، وتوسّع آفاق المحبة، وتعضد جهودنا من أجل بناء عالم يسوده السلام، لترافقنا مريم الكلية القداسة، سيّدة العنصرة، العذراء التي زارها الروح القدس، والأم الممتلئة نعمة، ولتتشفّع من أجلنا.