بينما تواصل مصر خطواتها الجادة في إنشاء أكبر شبكة للقطارات الكهربائية السريعة في تاريخها الحديث، لم تغفل عن الجانب الحضاري في تصميم محطاتها الرئيسية. حيث تسعى لإعادة إحياء تراثها القديم بأسلوب عصري. وتمثل محطتا الأقصر والإسكندرية نماذج بارزة تعكس هذا التوجه، إذ صُممتا بأسلوب مستوحى من عمق الهوية المصرية: الفرعونية والهيلينية.
محطة الأقصر.. معبد حتشبسوت يعود بروح حديثة
تتجلى روعة تصميم محطة الأقصر، الواقعة ضمن الخط الثاني من شبكة القطارات السريعة الممتد من 6 أكتوبر إلى أسوان، في محاكاتها للمعمار الفريد لمعبد الملكة حتشبسوت في الدير البحري، أحد أبرز معابد البر الغربي.
من نفس التصنيف: تقرير البورصة المصرية: المصريون يسيطرون على 90.9% من التعاملات والأجانب يسجلون صافي شراء بقيمة 277.5 مليون جنيه
يعتمد تصميم المحطة على تدرجات معمارية تشبه المدرجات الحجرية للمعبد، مع ممرات واسعة وأعمدة ضخمة مستوحاة من الطراز الفرعوني. وتتواصل عناصر التشابه إلى داخل المحطة، حيث تُقسم قاعات الانتظار والمداخل بطريقة تعيد إلى الأذهان التسلسل المعماري للمعبد الأصلي، لكن باستخدام تقنيات إنشائية حديثة. تعتبر محطة الأقصر للقطار السريع بمثابة جسر يربط بين الماضي والحاضر، حيث تقدم تجربة بصرية وسياحية للزوار في المدينة التاريخية.
محطة الإسكندرية.. لمسة هيلينية بهوية مصرية
أما محطة الإسكندرية، التي تقع على جزيرة صناعية داخل بحيرة مريوط ضمن الخط الأخضر الممتد من العين السخنة إلى مطروح، فقد استلهم تصميمها من العمارة الهيلينية التي سادت المدينة خلال العصر البطلمي بعد تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر.
تجمع العمارة الهيلينية بين العناصر الكلاسيكية الإغريقية ولمسات محلية من العمارة المصرية القديمة، مما يمنحها زخرفة وثراء أكبر مقارنة بالطراز الإغريقي البسيط. يعتمد تصميم محطة الإسكندرية على واجهات متناظرة مع أعمدة مستوحاة من الطرازين الأيوني والكورنثي، لكنها تُنفذ بأسلوب معماري عصري يركز على الفضاءات العامة والانفتاح، مما يربط بين الوظيفة والجمالية. تسعى هيئة الأنفاق والنقل السريع، بالتعاون مع شركة “سيمنس موبيليتي”، إلى جعل هذه المحطة رمزًا معماريًا يوازي مكتبة الإسكندرية الحديثة، معبرةً عن هوية المدينة كمركز حضاري عالمي.
فلسفة معمارية تربط النقل بالهوية
تشير هذه الطرازات إلى رغبة الحكومة المصرية في دمج التراث المعماري المحلي مع مشاريع البنية التحتية الحديثة، حيث تُعتبر محطات القطارات السريعة ليست مجرد مراكز نقل، بل معالم معمارية تجسد الهوية الفريدة لكل مدينة.
تأتي هذه المبادرة ضمن خطة تصميم محطات الشبكة الجديدة، التي تشمل 3 خطوط رئيسية بطول إجمالي يقارب 2000 كم، بالتعاون مع سيمنس الألمانية وأوراسكوم للإنشاءات والمقاولون العرب. وقد أكدت وزارة النقل أن الهدف هو تحويل كل محطة رئيسية إلى علامة حضارية بصرية وسياحية قائمة بذاتها، متكاملة مع موقعها الجغرافي والتاريخي.
قطار مصر السريع.. سادس أكبر شبكة قطارات سريعة في العالم
يمثل القطار السريع المصري أول شبكة قطارات كهربائية فائقة السرعة في تاريخ مصر، ويعتبر سادس أكبر شبكة من نوعها على مستوى العالم. يجري تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل بطول إجمالي يقارب 2000 كيلومتر، ليربط بين مدن البحر الأحمر والمتوسط، والمناطق الحضرية والحدودية. تمتد المسارات من العين السخنة إلى مرسى مطروح، ومن 6 أكتوبر إلى أسوان، ومن قنا إلى الغردقة وسفاجا.
مواضيع مشابهة: بشرى للموظفين بزيادة شهرية قدرها 1100 جنيه لأدنى درجة في الجهاز الإداري
يُنفذ المشروع بالتعاون مع شركة سيمنس موبيليتي الألمانية، بالشراكة مع أوراسكوم للإنشاءات والمقاولون العرب، حيث تصل السرعة التصميمية للقطارات إلى 250 كم/ساعة، مما يختصر زمن الرحلات إلى أقل من نصف الوقت المعتاد، بالإضافة إلى توفير وسيلة نقل آمنة وسريعة وصديقة للبيئة. يشمل المشروع قطارات فائقة السرعة من طراز Velaro، وقطارات إقليمية لنقل الركاب، إلى جانب قطارات بضائع لتعزيز كفاءة سلاسل الإمداد بين المناطق الصناعية والموانئ.
تمثل هذه الشبكة واحدة من أكبر مشاريع النقل في أفريقيا، وتهدف إلى إعادة رسم الخريطة الاقتصادية والسياحية لمصر، مع توفير عشرات الآلاف من فرص العمل وفتح آفاق جديدة للنمو العمراني والاستثماري في كافة أنحاء الجمهورية.